كتابات خاصة

أبناء الرصيف

فكرية شحرة

فلم يعد الوقوف حكرًا على الفتيات المهمشات فقط، فعلى رصيف المطعم تكاثر وجود نساء القبائل والأصول في حاجة الجوع والفقر.

وأنا أنظر من نافذتي إلى الشارع المقابل حيث تمر قصص بشرية على أقدامها؛ تتعثر في بؤسها تتسارع أحياناً في لهفة؛ أو تبطئ في قنوط.
هذا الرصيف الصامت سجل لأوجاع الناس؛ يحتض شقاء سعيهم كما يتحمل فضلات بيوتهم.
يصبح أحيانًا أحن من البشر على بعضهم؛ بيتًا لمن لا بيت له.
ما أكثر أبناء الرصيف حين يتخلى الوطن عن أبنائه الشرعيين ويحتض سواهم.
تخيلت نفسي منهم.. أولئك الذين يبقون على الرصيف جلّ يومهم؛ يسندون أحلامهم لحجارته فتسندهم.
تخيلت نفسي من أولئك النسوة اللاتي تكتظ بهن أبواب مطعم الراسني وسط شمس الظهيرة اللاهبة.
أبحث عما يسد جوعي؛ وأمد يدي السمراء النحيلة لجموع الداخلين واستعطف باسم الجوع إنسانيتهم.
فلم يعد الوقوف حكرًا على الفتيات المهمشات فقط، فعلى رصيف المطعم تكاثر وجود نساء القبائل والأصول في حاجة الجوع والفقر.
 تخيلت نفسي امرأة منهن استجدي صاحب المطعم بقايا طعام الزبائن كي أطعم بها أطفالًا ينتظرون فتات الموائد؛ تخيلت نفسي اتغاضى بذل لتحرش السفهاء وهم يرمقون بنظرات قذرة جسد انثى قد توارى خلف أسمال الجوع والحاجة..
تخيلت كثيرًا حال تلك النسوة فذرفت عيوني..
تخيلت نفسي على رصيف النزوح بلا سكن؛ أبحث في الوجوه المتعبة عن مساندة؛ عن أربعة جدران؛ عن وجبة طعام؛ عن أي حق لشريد منقطع.
تخيلت نفسي بائع متجول تحرقه الشمس وتتلف بضاعته من الطماطم أتلفت استجدي بعيوني الزبائن؛ كل مخاوفي في الحياة أن يضيع ضماري ورأس مالي وأن أعود إلى بيتي بلا كيس دقيق كي يأكل أولادي..
تخيلت نفسي واحدًا من أولئك الذين يفترشون الرصيف يعتنقون مجارفهم وفؤوسهم حتى تنتصف الشمس كبد السماء والأمل يداعب قلوبهم أن يمرّ صاحب عمل فيأخذهم للشقاء والتعب مقابل ما يسد الرمق؛ وحين يأتي المساء أعود بحسرتي؛ بقلقي وبذات الجوع الذي ذهب بي وعاد ليستقبلني على أبواب منزلي.
تخيلت نفسي أحزانًا كثيرة أسس لها النظام الفاسد وكاثرتها حرب مدمرة..
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى