كلما اقتربت قوات التحالف من تحرير محافظة مأرب شمال شرقي اليمن التي تشهد أقوى المعارك لتحريرها منذ صباح الأحد الماضي، كلما امتزجت تخوفات مواطني العاصمة صنعاء بفرحتهم، تخوفات من اندلاع مواجهات مسلحة في صنعاء، وفرحة بقرب الخلاص من مسلحي الحوثي الجاثمين على صدر المدينة وأهلها منذ عام كامل. يمن مونيتور/ صنعاء/ خاص
كلما اقتربت قوات التحالف من تحرير محافظة مأرب شمال شرقي اليمن التي تشهد أقوى المعارك لتحريرها منذ صباح الأحد الماضي، كلما امتزجت تخوفات مواطني العاصمة صنعاء بفرحتهم، تخوفات من اندلاع مواجهات مسلحة في صنعاء، وفرحة بقرب الخلاص من مسلحي الحوثي الجاثمين على صدر المدينة وأهلها منذ عام كامل.
معركة صنعاء والترتيبات العسكرية من قبل قوات التحالف والحوثيين، وكيفية مواجهة تلك الحرب، كل ذلك أصبح هو الشاغل الأكبر لكل اليمنيين خاصة ابناء صنعاء، فنجدهم في مجالسهم، وعلى متن وسائل المواصلات يتحدثون عن صنعاء، حتى إعلام الدول العربية وايضا الاعلام الأجنبي بات كل حديثه عن معركة صنعاء ومصيرها، ما أدى إلى تزايد القلق لدى أهالي العاصمة، الذين يصل عددهم الى أكثر من ثلاثة ملايين نسمه، ينتمون إلى عموم محافظات البلاد.
وبسبب النفير وحالة الذعر فيها، بات الحزن يخيم على مدينة صنعاء وأصبح القلق والخوف بادٍ على وجوه أهلها، ما جعلهم يستعدون للقادم، بالتزامن مع تلك الاستعدادات التي تقوم بها أطراف الصراع لمعركتهم القادمة، ولكن استعداد الأهالي هو استعداد سلمي، يهدفون من خلاله الحفاظ على حياتهم وأهاليهم.
ومن هذه الاستعدادات نزوح عشرات الأسر من صنعاء يوميا، كل ينزح الى منطقته (مسقط رأسه) أما آخرون ففضلوا البقاء متخذين تدابيرهم المتمثلة بشراء ما يكفيهم من مستلزمات غذائية للبقاء في منازلهم اثناء فترة الحرب إذا ما اندلعت فعلاً.
“ناصر محمد سعد داديه”، أحد سكان منطقة “حزيز”، جنوب صنعاء، فكر بالحل مبكرا، إذ جعل عائلته تغادر صنعاء فيما بقي وحيدا في منزله، لحمايته من النهب في حال اندلعت المعركة بالمدينة.
“داديه” قال لمراسل “يمن مونيتور” إنه “بعد أن تأكد لي وصول آلاف الجنود التابعين للتحالف العربي إلى محافظة مأرب القريبة من صنعاء، أيقنت أن الحرب قادمة، ففكرت بالحل المناسب، وجدته بإبعاد أهلي من صنعاء، وأرسلتهم مع والدي إلى محافظة ذمار، لدي خمسة من الابناء وابنة واحده، بالإضافة إلى زوجتي، والحفاظ على حياتهم بإبعادهم عن الخطر هو مسؤوليتي الأولى تجاههم”.
وأضاف، “لقد بقيت بمفردي لحماية منزلي من عمليات النهب التي من المحتمل أن تتعرض لها عدد كبير من المنازل، نتيجة الفوضى الأمنية التي تخلقها أي معارك، ما يتيح لعصابات السرقة فرصة نهب المنازل التي غادرها ساكنوها”.
وتابع، “منزلي في مديرية حزيز على الخط الرئيس الرابط بين صنعاء وذمار، وأغلب أهالي حزيز من الحوثيين”، ما يجعل المعركة فيها طويلة في حال اندلاعها، على عكس المناطق الأخرى التي لا يوجد فيها حوثيون كثر”.
“داديه”، الذي يعمل في ورشة نجارة منذ دخوله صنعاء، “أوضح أن الحوثيين في حزيز بدأوا باستعدادات كبيرة لخوض أي حرب قادمة، من بناء متارس على أسطح منازلهم، وايضا حفر الخنادق على جنبات الخط الرئيس، لاعتراض أي مقاتلين تابعين للمقاومة اذا ما اتوا من محافظات ذمار وتعز وإب”.
يقول بحسرة، “أنا ساكن بحزيز منذ 10 سنوات، ولم أفكر يوما بمغادرتها، لكن مصيرنا حتم علينا ذلك، ونتمنى أن يتم تسليم الحوثيين صنعاء سلميا دون معارك، فلا أريد أن يتدمر منزلنا بهذه الحرب، لأنه شقا عمرنا”.
مراسل ” يمن مونيتور” تجول في منطقة “حزيز”، وشاهد الحوثيين يتمترسون على جوانب الطرقات وفي أعلى المنازل ما ينذر بأنهم ناوون على خوض المعركة وأن استعدادهم لأي حلول سلمية ليس وارداً.
يقول “عبدالله الصليحي”، أحد سكان منطقة “الجراف” شمال العاصمة، أحد المعاقل الرئيسة لأتباع الحوثيين، “إنه قام بذا العمل، وأبعد أهله من الحرب وبقي في بيته، على العكس تماماً من “علي صالح العباسي”، الذي يسكن بيتاً بالإيجار في مديرية “شعوب”، فهو يفكر بالنزوح مع أهله وأخذ اثاث منزلهم معهم إلى مسقط رأسه محافظة “إب”، وسط البلاد.
يخالفهم الرأي “سعيد الخلقي”، من ابناء مديرية “همدان” صنعاء، الذي يرى “أن الحل السياسي هو الأقرب، واذا لم ينجح هذا الحل، ونشبت حرب صنعاء، فسيبقى مع أهله في مدينتهم، ولن يغادروها ابدا، لأنه يعتبر الحرب موجودة بكل مناطق اليمن، والموت يأتي للشخص بأي مكان يختبئ فيه”.
وأضاف في حديث لـ” يمن مونيتور”، “لقد اتخذت اجراءات احترازية مثل شراء كل حاجيات الأهل من غذاء وماء، وكل الأغراض التي يحتاجها أي مواطن، لتعينه وأسرته على معايشة الحرب، لأنهم سيمكثون داخل المنزل حتى انتهائها”.
هذه عينة مصغرة للملايين من سكان صنعاء، الذين باتت الحرب تقض مضاجعهم، وأصبحت همهم وحديثهم اليومي الوحيد.
وحسب المعطيات والتطورات على الأرض بات الجميع شبه متأكد من أن الحرب ربما تكون الخيار الوحيد لتحرير صنعاء، نظرا لتعنت الحوثيين وحلفائهم، وعدم تنفيذ بنود القرار الاممي 2216 والقاضي بانسحاب الحوثيين من عموم المحافظات، وتسليم كافة الأسلحة التي بحوزتهم.
ما يعزز هذه الفرضية هو الاستعدادات الحوثية المسلحة، مثل حفر الخنادق، وتجهيز المقاتلين على قمم جبال العاصمة، بالإضافة إلى استعدادات التحالف الكبيرة من خلال ادخال قوات برية وتدريب عشرات الآلاف من الجيش والمقاومة اليمنية لخوض معركة تحرير صنعاء.
ورغم هذا، فإن هناك صنفاً ثالثاً من سكان صنعاء لم يقم بأي استعدادات، كما هو حال “عبدالكريم اليوسفي” الذي قال لـ” يمن مونيتور”، “إنه باع كل ارضه وبيته في مسقط رأسه مديرية “الجحملية” بمحافظة تعز لأسكن بصنعاء منذ خمس سنوات، وهي الآن تشهد حرب عنيفة بين الحوثيين والمقاومة، فالوضع خطير في المدينتين والخيارات أمامي صعبة، ولكني سأفضل صنعاء سواء قتلت أو بقيت على قيد الحياة”.
وأشار إلى أنه “لم يقم بأي خطوات احترازية مثل شراء حاجياتنا التي ستكون سندا لنا بأي حرب قادمة، فللأسف بسبب الأزمة التي تسبب بها الحوثيون منذ دخولهم صنعاء العام الماضي، فقد تركنا أعمالنا بسببهم، وبعنا ذهب النساء لكي نعيش، والآن لم يعد لدينا ما يساعدنا على الهروب من صنعاء، خصوصا بعد ارتفاع اسعار المشتقات النفطية، كما أننا لا نملك تلك الفلوس التي نشتري بها احتياجاتنا استعدادا للقادم”.
وحتى اولئك الذين ينزحون عن صنعاء، يواجهون مشاكل جمة منها، انعدام المشتقات النفطية، مايجعل تنقلهم الى مناطقهم في غاية الصعوبة، وفقاً لـ”رفيق القاضي”، أحد الراغبين بالنزوح من صنعاء إلى منطقته وصاب في محافظة ذمار، الذي يضيف ” لو حاولنا الهروب فتكاليف السيارة من صنعاء الى منطقة وصاب مكلف جداً، وقد تصل إلى مائة الف ريال (500$) لاستئجارها لنقلنا فقط، والأزمة في صنعاء خلال الأشهر الماضية ارغمتنا على صرف كل ما نملك، ولم نتوقع معركة قادمه، ولكن الحال تغير فحرب تحرير صنعاء قادم لا محالة”.
هكذا هي المعاناة لدى سكان صنعاء، الذين باتوا بين أمرين أحلاهما مرّـ أما البقاء المحفوف بخطر الموت، أو الرحيل نحو المجهول الذي لا تسعفهم ظروف على تجمل السير نحوه.
يقول الخبير الاجتماعي “عياش سالم النصيري”، لـ” يمن مونيتور”، إن “سكان صنعاء يعيشون لحظات الموت ويتجرعونه قبل أن تصلهم الحرب، فهم يجاهدون في سبيل توفير لقمة العيش لأسرهم، في ظل فقدان أغلبهم لأعمالهم منذ دخول الحوثيين صنعاء، كما أن صنعاء تعاني منذ أشهر انقطاع الكهرباء، وانعدام المشتقات النفطية، وعدم وجود الأمن، وايضا حملات الاختطافات الكبيرة التي يتعرض لها كل مناهضي الحوثي، كل تلك اسباب جعلت من السكان يعيشون الموت كل يوم”.
وأضاف، “تشهد صنعاء منذ ماي قارب 15 يوما انقطاع تام للكهرباء، وانعدام مادة الغاز وجميع المشتقات النفطية وارتفاع اسعارها، ما شكلت حرباً يعيش السكان تفاصيلها اليومية، لكنها بطبيعة الحال أهون من تلك التي ستحدث مستقبلا، وسيذهب ضحيتها، لا سمح الله، آلاف المواطنين”.
ومنذ الـ 21 من سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، سيطر مسلحو الحوثي على العاصمة صنعاء ما تسبب بمغادرة الرئيس وحكومته، وكل السفارات الدبلوماسية من العاصمة، وجعل الأخيرة في عزلة شبه تامة عن العالم.