كانت غصةٌ تخنق حلقها حينما سحب يده من خدها ومضى كان جسده يمشي إلى الأمام ووجهه يعود إلى الوراء ينظر إليها كما أن قلبه لم يفارقها قط.
تمسكت بيديه قبل الفراق بلحظات.. تشبثت به بكلتا يديها حتى راوده الحزن، أسقط رأسه إليها قائلاً: سأعود بعد أيام لا تقلقي ياصغيرتي، تشبثت به أكثر دون أن تنبس بحرف واحد، فجلس على الأرض ليقابل رأسه رأسها ولِتكن عيناه أم عينيها.
وقف على ركبتيه وأمسك بوجنتيها يمسح دمعها ثم قال، الجميلات لايبكين، كما أن الدموع تتعب الحسناوات، وأنت أجمل مخلوق رأته عيناي فلا تتعبي ولا تقلقي نفسك بشيء، سيكون القادم على ما يرام.
كانت غصةٌ تخنق حلقها حينما سحب يده من خدها ومضى كان جسده يمشي إلى الأمام ووجهه يعود إلى الوراء ينظر إليها كما أن قلبه لم يفارقها قط.
لم تجد بداً من أن تلوح له بيدها (إلى اللقاء يا والدي العزيز) بادلها بابتسامة هشة كهشاشة هذا الواقع ثم أدار رأسه ومضى إلى المجهول، وفي غير علم منه كان يعمل بنقل الحجارة إلى العمال، وكانت صغيرته تطوف بخياله كل حين كأنها البدر المنير تزاد كل يوم جمالا ورقة، يراها وهي تكبر بين كل شهر وشهر، لا يزال طلبها بخياله أيضاً.. إنه طلب صغير كصغر هذا الكون أمامها بالنسبة له، فستان أبيض تتخلله خيوط حمراء وأخرى يكسوها السواد وإلى جانبه تاج أبيض ووردة طبيعية بيضاء.
تمر الأيام ويزاد شوقاً لصغيرته ووحيدته حتى اقترب موعد عودته إليها وعندها أحس أن هذا الكون لا يسعه.. فرحه كبير جدا ككبر حبه لها وككبر أحلامها.. اقتنى لها الفستان الأبيض، على حسب طلبها وكما أرادت.
كان ماشياً في السوق يبحث عن الوردة الطبيعية البيضاء، ولم يجدها بالسهولة التي وجد فيها الفستان.
اضطره ذلك إلى أن يقتني باقة من الورور الصناعية ليعود إليها مسرعا.. فهو في شوق لها لا تستطيع الكلمات أن تصفه، وإن سلكت مسلك الشعر والمجاز.. وهل هناك أحن من الأب في هذا الكون؟!
كان يبتسم كثيرا، لأنه سيراها.. فقد حان وقت اللقاء بعد الإفراط في الغياب.
مضى في طريقه بفرح كبير يلتفت يمنةً ويساراً عله يرى الورة البيضاء، كان يحدث نفسه بسعادة كبيرة لأنه لم يخض غمار الحرب ولم يزر يوما الجبهات.
هاهو سيعود سالما إلى صغيرته.. نظر إلى يمينه فرأى بائع الورد وأسرع إليه.. التقط منه الوردة البيضاء بكل سرعة، وعاد تغمره السعادة لأنه حصل على ما يريد.
جعل ينظر في يده إلى تلك الهدية ولم يدر إلا وقد أصبح ضحية صاروخ أُطلق بالقرب منه فذبل قلبه قبل أن تذبل الوردة.. نام نومه الأبدي إلى جانب الوردة والفستان.. أدرك في لحظات موته ماذا كانت تقصد ابنته في طلبها للفستان ذي اللون الأبيض والخطوط البيضاء، وتلك الأخرى التي يكسوها السواد، وأما صغيرته فقد أدركت للمرة الأولى أن الأب قد لا يفي بوعده وأن يكون وعده كاذباً كما فعل أبوها!
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.