لا يزال الموظف اليمني محروماً من حقوقه، لتزداد أوجاعه ماذا لو افترضنا جدلاً، أنّه تم إنهاء معاناة قرابة مليون موظف يمني، بتسليم الدولة رواتبهم، وبدأت آلية الصرف تسير وفق ما هو معهود، لواقع ما قبل الحرب؟ فهل ذلك يعني نهاية لمآسي البلد، وطياً لمشروع الإنقلاب على الدولة؟ وهل أنّ الموظفين الحكوميين هم تعداد سكان الجمهورية اليمنية؟ وهل سيتم إعادة إعمار ما دمرته الحرب من رواتبهم، لتعود الحياة إلى طبيعتها، في دولة يسودها الأمن والأمان والإستقرار السياسي والاقتصادي؟ وهل ستعود حركة الازدهار والتطور والرخاء تتنامى يوماً بعد آخر؟
إن كان ذلك سيحدث، على الشعب أن ينتفض من يوم غد للضغط على الدولة لتوفير رواتب جميع موظفيها، ومن دون استثناء، وأن يضغط على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء؛ لتشكيل لجنة طارئة تتولى مهمة البحث عن مصادر مالية لتسديد الرواتب خلال مدة أقصاها شهر، على أن توضح رئاسة الجمهورية في بيان رئاسي للشعب والأمة العربية والإسلامية والعالم، بأنها تخوض منذ أكثر من ثلاث سنوات حربا ضروسا مع الإنقلابيين، من أجل “استعادة رواتب ميلون موظف” ليس إلا!
لا يزال الموظف اليمني محروماً من حقوقه، لتزداد أوجاعه، فمنذ انقطاع الرواتب، تعالت أصواتهم بضرورة توفير الدولة للراتب، باعتباره حقاً دستورياً، وليس منة من الدولة. وإذ يغفل الكثير من الموظفين، أنّ مصادرة حقوقهم تندرج ضمن واحدة من سيناريوهات التركيع والإذلال القذرة!
ومن يدري أنّ موظفا متخلّفأً محسوباً على نخبة المثقفين “العميقين” قبل بسلطة الكهنوت، مقابل إطلاق الرواتب، في حالة تثير الشفقة والإشمئزاز لحالة هذا الموظف “العميق”، إذ قال حرفا: “لسنا معترضين ولا معارضين لسلطة أنصار الله الحوثيين، إذا ما وفرت الرواتب، وليكن قبولنا علنا بسلطتها كأمر واقع لامناص منه”!
قلت له معلقاً: تبدو شخصاً، لا همّ له إلا كيف يحصل على راتبه، فحسب، فمن أنت لتتحدث بضمير “نحن”. عليك أن تستيقظ، وتغادر هوس ادعاء المثقف العميق، وباعتقادي أنت لست عميقاً. إنّ إطلاق المعاشات بتفكيرك ليست حلاً جذرياً لواقع البلد، وأن مآل إليه الوضع جاء كنتيجة طبيعية للإنقلاب على الدولة ومقدراتها، لا بسبب “رواتب الموظفين”. وكان عليك أن تناضل من منصة المثقف النيِّر الذي ينادي المجتمع بضرورة التصدي لمشاريع الظلام التي دمرت اليمن، وصادرت وقتلت وشردت، وفتحت لـ25 مليون أبواب الجحيم، لينتهي حواري معه، بإقدامه على حظري من قائمة أصدقائه.
إذاً، لست هنا ضد مطالبة الموظفين برواتبهم، بل ضد مثل هذه العقليات التي تشخصن أوجاع البلد، كأنها نتاج عن “مصادرة الرواتب”، وهنا الكارثة.
عقليات لا يمكنها أن تستوعب أنه، حتى ولو كان الشعب برمته موظفاً، أو أن الخيرات النفطية مثلاً يستفاد منها مجاناً، أنّ ذلك لا يعني التقدم والرخاء لشعب منغمس بالفوضى والفساد والقتل والتخلف.
إذا كانت هذه العقليات ستظل في مربع الجهل وتنظر إلى أن الشعب على أنه ثار على “الراتب”، فإن الحقيقة التي لا يجب أن نتجاوزها، أن ثورة 11 فبراير العظيمة، ستحرّر هذا الشعب من النظام السابق الذي خلّف لنا جماعة انقلابية، محال أن نتجاوزها، ما لم نناضل كل من موقعه، بالدفاع عن دولة تنتصر للإنسان اليمني، في استعادة كرامته وحريته وكل حقوقه من دون نقصان.
*نقلا عن العربي الجديد