كتابات خاصة

ارتباك عدن!

أحمد ناصر حميدان

وجدوا ضالة أطماعهم في مجتمع يسوده التخلف، وتغلل فيه القهر والظلم والاستبداد لسنوات ما يحدث في عدن هو خلل في عملية التعافي من آثار الحرب، خلل في الدعم الإماراتي للأدوات التي يجب أن تكون بديهيات بنا الدولة الحديثة المنشودة، القوى الناعمة والواعية، الحاملة لمشروع الدولة والمواطنة والحرية والعدالة.
ما حدث يؤكد دون شك أن الإمارات لا تريد لهذه المدينة التعافي حتى لا يتعافى الوطن، يريدونها تظل في خضم صراعات سلبية تزعزع العقيدة واختلال الوعي، واضطراب في الأفكار، فانعدمت الرؤية لدى الكثير، فتفوقت قوى العنف المتخلف، وإذا بالسلاح بيد جاهل مشحون بثارات الماضي ومغذى بالكراهية والحقد، فاعتقد أنه تمكن من القوة القادر بها تصفية حساباته، وفرض واقع على الآخرين أن يتقبلوه ولو بالقوة.
وجدوا ضالة أطماعهم في مجتمع يسوده التخلف، وتغلل فيه القهر والظلم والاستبداد لسنوات، وجدوا كماً هائلاً من التناقضات، واختاروا منها بعناية أدواتهم، لإحداث زوابع من الصراعات السلبية طائفية ومناطقية، شكلوا مكونات مسلحة مناطقية وطائفية، واختير لقيادتها أكثرهم تعصباً وغلواً وعنفاً.
تقف هذه الأدوات المدعومة، اليوم، عقبة كبيرة أمام بناء أركان الدولة، وتعافي مؤسساتها الأمنية والقضائية والمحاسبة والعقاب والثواب، وإذا بنا في واقع مريض مشحون وغارق في ماضية وثاراته وأحقاده، ومصيره بيد هذه المكونات المتناحرة على رؤوس الناس البسطاء، لا يوجد لديها ما تقدمه غير العنف والقتل ومزيد من الصراعات والدماء والثارات، فتزداد حجم التراكمات السلبية، إذ هي جزء من المشكلة، ولا يمكن أن تكون حلاً.
الناس تعبر عن أحلامها وطموحاتها، وهناك من يتربص بها ليستثمر تلك الأحلام والآمال، ليسحرهم بأوهام، أوهام المنقذ والكيان الجامع، يدغدغ مشاعرهم بالحرية والاستقلال، ويصطدم العقلاء منهم بالحقيقة المرة من أول لحظة، وإعلان اجتثاث الآخر بقرار طائش متهور، يكشف عن جزء من عورات المشروع، وزجّ البلد في صراع إقليمي، يكشف عن غباء وطيش الجماعة التي تتحول من رهان لمجرد أدوات في حرب قذرة لأطماع أكثر قذارة.
استطاع المخرج أن يحبك السيناريو، ورّط أدواته بالسجون السرية والانتهاكات، وصفقات فساد، بموائد القصور والرحلات المكوكية، يهربون من ذلك نحو مزيد من الفوضى، يهربون من الدولة الضامنة ومؤسسات الرقابة والمحاسبة والقضاء والنيابة، يهربون في الحشد والإشاعات والتهديد والوعيد وخلط الأوراق، وتعويض تهالكم الشعبي بحشد القبيلة؛ كل هذه الفوضى تروق لبعض ضعفاء النفوس الفاسدة في الطرف الآخر لممارسة هويتها.
والنتيجة واقعنا اليوم، الذي صارت فيه هذه القوى مشكلة بل مصيبة لا يمكن أن تنتج حلاً، وصارت الشرعية في وضع لا تُحسد عليه، تحتاج لإصلاح أدواتها، وإعادة ترتيب أوراقها، لتشكل إجماع وطني يضم الخيرين والصالحين لإخراج الوطن لبر الأمان.
لهذا ستستمر الاغتيالات، وستبقى الحرب الأهلية تلوح في الأفق وتهدد واقعنا، لأن الجميع مورط في مصالح وفساد وانتهاك ودماء، فاق حجم صحيفة اتهام النظام السابق، الكل عاش وما زال يعيش رغد الحياة على موائد قصور الأطماع والحسابات البنكية والصرفيات المهولة والسفريات المكوكية والرواتب الخيالية، ومن الصعب جدا أن يتخلى عنها؛ هؤلاء الذين فسدوا وتعفنوا لم يعد يهمهم دماء الأبرياء التي تراق على قارعة الطريق كوسيلة ضغط، لا يهتمون لدماء الشهداء الذي ضحوا بحياتهم من أجل مستقبل وطن يعبث به الجبناء والفاسدون..
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى