الحل السياسي للأزمة اليمنية، لم يعد ممكناً على ما يبدو بل أنه تحول إلى إحدى أصعب الخيارات، في ظل المحاولات المستميتة من جانب ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح لكسب الوقت ولحرف اهتمام المجتمع الدولي ليصبح الحديث حول من هو مع الحل السلمي ومن هو ضد هذا الحل. الحل السياسي للأزمة اليمنية، لم يعد ممكناً على ما يبدو بل أنه تحول إلى إحدى أصعب الخيارات، في ظل المحاولات المستميتة من جانب ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح لكسب الوقت ولحرف اهتمام المجتمع الدولي ليصبح الحديث حول من هو مع الحل السلمي ومن هو ضد هذا الحل.
التطورات العسكرية في الميدان، تشير إلى أن الحكومة والتحالف العربي والمقاومة الشعبية حسمت أمرها باتجاه فرض الخيار العسكري، وهو أسهل وأيسر الخيارات في هذه المرحلة، ومن شأنه أن يُقصر من أمد المعاناة التي يعيشها الشعب اليمني جراء استمرار الحرب العبثية المفروضة من قبل المليشيا.
لا يبدو أن الجيش الوطني ومن خلفه التحالف اللذين أطلقا معركة واسعة في مأرب، سيتوقفان عند مأرب، بقدر ما يضمران النية لتحرير صنعاء، وهو أمر يعيد إلى الأذهان معركة مماثلة خاضها الجمهوريون بمساندة الجيش المصري إبان حروب الدفاع عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر أوائل ستينيات القرن المنصرم.
هذا التطابق في الأحداث يدل على الارتباط الوثيق بين صنعاء ومأرب، مضاف إليه أهمية مأرب الاقتصادية لكونها المحافظة التي تستأثر بمعظم إنتاج اليمن من الغاز الطبيعي المسال، فضلاً عن كونها تضم أول الحقول النفطية في البلاد.
كل الأسباب الموضوعية تشير إلى أن حسم المعركة في العاصمة بات قريباً، وحينها سيتحقق الهدف الاستراتيجي الأهم لتدخل التحالف في الأزمة اليمينة وهو إعادة السلطة الشرعية إلى البلاد، وإنهاء فصل سيئ من حضور الميليشيا في المشهد اليمني، والذي أساء إلى حياة اليمنيين ومزق شملهم وضيق عليهم أفق العيش، وهدد بانهيار الأسس القوية التي يقوم عليها بنيان الوحدة الوطنية، والعيش المشترك.
هناك صورة قد تبدو عائمة نوعاً ما في أذهاننا، إذ ما جدوى هذا التركز العسكري المكثف في مأرب، واندلاع معركة هناك في ظل بقاء تعز تئن تحت وطأة القصف والحرب التي تتعرض لها في ظل انعدام التكافؤ التسليحي بين المقاومة ومتمردي الجيش السابق، وبقاء محافظات مهمة مثل الحديدة تحت سيطرة الانقلابيين حتى اللحظة؟
الجواب هو أن التحالف يبدو أنه يريد إبقاء إمكانيات الميليشيا ومتمردي الجيش السابق وجهودهم مشتتة في أكثر من جبهة، وحينها سيكون بإمكان التحالف إنهاك الخطوط الدفاعية التي نصبها المتمردون في محيط صنعاء ودخول صنعاء بالكيفية التي دخل بها عدن، وإن ليس بالمستوى نفسه وبالآلية نفسها.
يتذرع الحوثيون ومعهم المخلوع صالح بخطر القاعدة لإعطاء تبرير لوجودهم القاتل والمدمر على سطح الجغرافيا اليمنية، ويدَّعُون باستمرار أن القاعدة هي التي تسيطر على عدن الآن، والحقيقة أن عدن عادت إلى كنف الدولة وتتمتع بالهدوء والاستقرار مع بعض الخروقات الأمنية التي لا يزال يتسبب بها عملاء جنوبيون مرتبطون بالمخلوع صالح وبأجهزته القديمة، ومتورطون في تقديم خدمات من هذا النوع تارة باسم الحراك وتارة باسم القاعدة.
تفاجأ الجميع بقبول الحكومة اليمنية الذهاب إلى جولة مشاورات جديدة مع الانقلابيين، وتفاجأوا أيضاً بالعودة عن هذا القرار، خلال المسافة الزمنية الفاصلة بين قرار الموافقة ونقيضه، تبينت أمورٌ كثيرة، منها أن اللاعبين الأساسيين في المسرح اليمني ليس الحكومة والميليشيا وحدهما، بل أطراف دولية وإقليمية مؤثرة، وهي التي تضغط باتجاه الحل وهي التي تدفع باتجاه الابتعاد عن الحل.
يقيني أن الذهاب إلى جولة مشاورات جديدة، ليست في صالح السلام والاستقرار وجهود استعادة الدولة المبذولة حالياً، هذا فخ تحاول بعض الأطراف إعادة نصبه في طريق الانتقال نحو الدولة اليمنية التي ننشدها جميعاً.
ثمة من يعتقد أن مواجهة الإرهاب تحتاج إلى ورقة طائفية قذرة كميليشيا الحوثي، وثمة من يعتقد أن الوريث السياسي لمرحلة ما بعد إزاحة المخلوع صالح والميليشيا من المشهد السياسي هم “الإخوان المسلمون”.
وهذه تقديرات تغيب تماماً طبيعة التركيبة المجتمعية، وتغيب حقائق تتصل بما خلفته المرحلة الماضية من جروح وندوب، وما أيقظته من وعي لدى اليمنيين إلى حد باتوا معه أكثر حساسية تجاه المستقبل، بحيث لم يعد بالإمكان تسليم إرادتهم لوارث سياسي جديد من شأنه الاستحواذ على الدولة بالصورة الفجة التي برزت إبان دخول ميليشيا الحوثي صنعاء في 21 سبتمبر 2014.