كتابات خاصة

فوضى النضال والدولة

أحمد ناصر حميدان

النضال مدرسة يتعلم فيها المناضل مبادئ الحوار والإنصات وعدم التفريط بالمبادئ والقيم، النضال تعبير عن يقظة الحس فكرياً وثقافياً وسلوكاً لا ينحصر في الخطابات والشعارات، بل يتجاوزها لترسيخ لتلك اليقظة لإعمال ملموسة على الواقع.
اليوم الناس موجوعة ومطحونة ومقهورة، وأكثر حذرا ويقظة وعيونهم تترقب الحلول وتتمعن الأعمال والوقائع، وتقرأ جيدا ما في سطور المشاريع، هي بحاجة لمن يقدم لها حلولا ناجعة تتلمسها في حياتها العامة، من يستطيع أن يقدم للناس شي يمسهم ويصلح أحوالهم هو القادر على الفوز بحبهم ودعمهم , لم تعد تنطلي عليهم بيع، بشعارات تذر الرماد على العيون، وتنسج حكايات ألف ليلة وليلة للمنقذ القادم من نفس البيئة والعقلية المنتجة للمشكلات، والهدف السلطة، ويا تصيب أو تخيب، وخيبتنا لستون عاما كافية لرفض هكذا احتمال.
النضال مدرسة يتعلم فيها المناضل مبادئ الحوار والإنصات وعدم التفريط بالمبادئ والقيم، مدرسة التفاعل مع التطورات والمستجدات بحس نقدي وهدف تغيير يستند لمرجعية فكرية ومسلك وسياسي وأخلاقي.
أين نحن اليوم من هكذا نضال ومناضلين، معايشة وملاحظة ميدانية للواقع والممارسات، لا تسر ولا ترضي، يلبسون لباس المقاومة والنضال التقدمي والحرية والاستقلال، مصطلحات أصبحت تعج بها الساحة السياسية والحراك الشعبي، والواقع والتعبئة شيئا آخر، سطو ونهب ومصالح ضيقة، وثارات عقيمة وانتقام مدمر، وحقد دفين، وفساد عفن وماضي لعين راسخ في الوجدان والنفس السقيمة.
نضال الفوضى والفوضويين، فوضى تعيق ترسيخ مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية، الرقابية والمحاسبية، والضبط والربط، والقضاء والنيابة، بل مؤسسات الخدمية التي تخدم معيشة الناس وتهيئ لهم الحياة الكريمة، فوضى تتعمد إعاقة عمل القائمين لإفشال هذه المؤسسات نكاية بخصم سياسي ومشروع مختلف وفكر معارض، فوضى تساعد على الفساد، تهيئ لهم البيئة المناسبة لنهب الخيرات والإيرادات والبسط على الأراضي، والفاقد في جيوبهم.
كاريكاتير النضال بالفوضى، يحتوي في مكوناته الأصولية والانتهازية والكائنات المنحرفة من فاسدين ومزورين، الذين قد استهلكهم الغير، وفشلوا عندما كانوا في المسئولية، هم أكثر الناس قدرة على إدارة الفوضى، والارتماء لأحضان العمالة ليكونوا أدوات.
يغرسون أفكار خاطئة عن الثورة لتجريف المجتمع والوطن من كل جميل، لهم أدواتهم التي تثير زوابع من الفوضى في منظمات المجتمع المدني والنقابات، وفوضى الاحتجاجات، واستقبال الوفود، وحركة نشاط الحكومة، فوضى تعبر عن مكنوناتهم وتعطي صورة واضحة عن مشروعهم.
هذا هو  نضال الفوضى للاسترزاق على حساب الآخرين، نضال المهرجانات والشعارات والتصفيق خدمة للزعيم والصنم المنقذ الذي يصنعه أصحاب المصالح، زعيم يهتفون باسمه وينهبون باسمة وينتهكون باسمة، تحت وطأة القمع والترهيب والتخويف وشيطنة الآخرين، طبعا يأخذ منحى مناطقي أيدلوجي، والبعض مسحور يهيم في أحلام اليقظة والمدينة الفاضلة.
زعيم صنعته الظروف، وطعم حلاوة الزعامة، والمسحورين والهائمين في دربه، كغطاء يستر الفضائح، تدافع عن فساده وانتهاكاته، وممارسة أنصاره القذرة التي لا علاقة لها بالنضال والثورة، زعيم تبطن وصار محصن، كم نحتاج لسنوات ليعود لرشده أو حتى لتغييره.
هذا النوع من نضال المصالح، عدوه الدولة الجامعة والضامنة للمواطنة والحريات والعدالة، هم يعرفون جيدا أن مصيرهم في هكذا مشروع، يضعهم تحت طائلة القانون والمسائلة والحساب والعقاب، مصير الإجرام والمجرمين، لهذا هم يستبسلون للتصدي للمشروع الدولة الضامنة، في بيئة يسودها التخلف والتعصب وجدوا ضحاياهم المسحورين بزيفهم وبهتانهم.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى