الشاشات الملونة لم تكن قد وصلت القرية، وتلفزيونات بانسونيك وناشينوال الضخمة بالأبيض والأسود، تعمل بالبطاريات.
في عيد الأضحى تكثر الأعراس، تنشرح الأجساد بالرقص والبرع، المفاصل التي تصدأ على مدى سنة تتحرك في ذي الحجة، تتعرق الأجساد، ساحات الفرح تشبه ميادين الكرة، فائز واحد يستلم الكأس، العروس، في هذه المباراة الجميع يركض حتى الجالسين، لا مهزوم أبدًا.
عندما عاد أبناء المدينة لقريتنا مع عيد الأضحى، جلبوا معهم رقصة جديدة علموها القرويين، رقصة يؤدونها بانتظام، ستة على الأقل، اسمها: سامبا.
حفظنا اسم الرقصة تلك، ولم نكن نعرف أنها للبرازيل.
عندما كنا صغارًا، تشربنا ريادة البرازيل في الكرة.
الشاشات الملونة لم تكن قد وصلت القرية، وتلفزيونات بانسونيك وناشينوال الضخمة بالأبيض والأسود، تعمل بالبطاريات.
لم نشاهد البرازيل أبدًا في منتصف التسعينيات، ولكن سمعنا عنها من الذين عادوا من الغربة، والذين كانوا يضفون التفاصيل الأسطورية لكل ما يمت بالكرة للبرازيل.
هم أول من اخترع الكرة، كانوا يقولون لنا، قبل أن نكتشف مع كبرنا أن الصينين لهم هذا الفضل.
وليس ذلك فحسب، كانوا يقولون أيضًا، إن والد بيليه هو من اخترعها عندما وجد بيليه يركل البرتقالة أمامه، لننساق إلى تفاصيل أكثر أسطرة عن الجوهرة السوداء. بيليه البرازيلي كان يلعب مباراة، أطلق تسديدة صاروخية لكنها اصطدمت بالقائم، سدد كرة الموزة المقوسة فاصطدمت بالقائم، صوب ركلة مباشرة ولكن القائم صدها، أتدرون ماذا فعل؟
كنا نتشوق لمعرفة ما فعل بيليه، ليتم الأولون القصة: لقد رفض إتمام المباراة بذريعة ميلان المرمى. ولأن أغلب المغتربين الذين يحكون لنا أبهة البرازيل كانوا نجارين، فقد كانوا يقولون أن الحكم استخدم “المتر” وقاس المرمى وبالفعل وجدوه مائلًا من إحدى قوائمه فعدلوها، وهكذا سدد بيليه براحة.
إنهم أبطال العالم، على فقرهم. انجرفت عواطفنا مع هذا المنتخب.
*
هذه هي السنة الأولى التي نشاهد فيها كأس العالم كاملًا في القرية. كل انصرف إلى منتخب يشجعه، خرج من خرج، وبقى من بقى، من شجع ألمانيا يواسي نفسه بالهزيمة الساحقة التي حققها المانشفت على البرازيل في كأس العالم الماضية، يريني السباعية الملعوبة باحتراف، يحفظ أسماء اللاعبين وكأنها ألقاب ينبز بها أصحابه في الطفولة، أغلبنا لم يشاهد النسخة الماضية التي فازت بها ألمانيا، أما وقد خرجت فإن هذا المشجع صار يهتف للسيليساو.
مشجع يعشق المباريات، قال بأنه يشجع البرازيل، واستدرك بنبرة الخبير الحاذق: ولكن الكأس “إيطالي”!.
أما المهوس بالصراع الأمريكي الروسي فقد أرجع غياب المنتخب الأمريكي بسبب اختلاف وجهات النظر بين موسكو وواشنطن على الوطن العربي.
تحضر تأويلات، وتجيء توقعات مضحكة، كأن يتوقع أحدهم ركلة ركنية!.
لكن الكثير استراحوا هذا الشهر من لغب الواقع، أعينهم على المستطيل الأخضر، أي الفرق سترقص في النهاية؟
هل سينجح البرازيليون في تأدية رقصة السامبا في ذي القعدة؟
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور