قريتي الصغيرة تنام مرهقة الجسد، متعبة العينين إلى جانب الجبل الأشم، الذي يحرسها من أذى الغرباء.
قريتي الصغيرة تنام مرهقة الجسد، متعبة العينين إلى جانب الجبل الأشم، الذي يحرسها من أذى الغرباء.
ذلك العجوز الذي بات كارهاً الحياة؛ لما بها من أوجاع، تشكو الصغيرة إليه ضعفها، تسرد له الهم الذي لم يبق من جسدها محل وخز إبرة إلا وأوجعه.
قريتي الصغيرة لا يهدأ الأطفال فيها لحظة، إنهم يمارسون الشقاء بألوانه المتعددة، يضحكون بحذر وبقانون يقيس لهم ما ينبغي عليهم من مدة في الضحك، فإن كثرة الضحك يولد البكاء من عدمه، كما يقال، إنهم يجيدون صنع أحلامهم على التربة التي بللتها مياه الأمطار، فمن يحلم منهم أن يكون له بيت يبنيه هناك ومن يريد بناء مسجد لله يرفعه بكل فخر ولا يتجرأ أحدٌ على هدمه أو إحراقه، فما هربوا لبنائه هنا إلا لأنهم وجدوا المساجد تهدم، ولا أحد يحرك ساكناً، كل
أحلام أطفال قريتي لا تخرح عن إطار السلام، يحبون البناء والإعمار، يعجبهم كثيراً الالتفاف حول بعضهم، وإن بكوا، فلهم بكاء مختلف، يبكون من شدة العطش ومن حرارة الشمس التي أنضجت جلودهم، ويبكون أيضاً لأنهم قد وصلوا إلى سن ليس بصغير ولم تحمل أيدهم لعبةً واحدة، ولم تصل إلى فمهم قطع الحلوى، حتى أمهاتهم لا يجدن صناعتها، ولا يمتلكن إمكانيات ذلك العمل حتى يفكرن به، لم يعرفوا معنى البراءة، ولم يذوقوا قط طعم الفرح.
قريتي الصغيرة تشكو إلى الجبل، قهر النساء فيها، النساء اللاتي أكلت أشواك الأشجار أجزاءً كبيرة من وجوههن البريئة وهن يحطبن بين أفيائها، وهن اللائي قتل الهمُ أنوثتهن وأجبرهن على ممارسة أعمال شاقة غيرت من أشكالهن كثيراً، وأحالتهن إلى الخشونة المتعبة، فهن يعشن حرباً كلها نضال منذ أن وجدن على الأرض.
ومع ازدياد هموم الحياة وكثرة الفاقة تحولت قريتي إلى اسم دون معنى، فلم يعد للطبيعة لون جميل كالمعهود، ولم تعد العصافير محلقة في أرجائها، فأطفال قريتي يتوقون كثيراً إلى تذوق طعم اللحم الذي لا تستطيع أسرهم توفيره، فيضطرون إلى اصطياد العصافير وشيها، يأكلونها بنهم شديد، يسعدون كثيراً إذا عثروا على عصفورٍ أو أكثر، مما أرعبها وجعلها تخاف أن تصدر أي زقزقات أو أن تخرج من وكورها، لتترك الطبيعة في حالها.
قريتي الصغيرة تشكو إلى الجبل الذي قد أصيب بالارتعاش الشديد تأثراً لموقفها، تشكو إليه نيران الحرب التي أرعبت أهلها وفزعتها من نومها وقتلت من أبنائها الكم الكبير، وتهذي إليه بأمنياتها التي البسيطة التي لا تتعدى حد حقوقها من الشعور بالأمن والأمان، وتوفر وسائل العيش والاستقرار لها ولأبنائها.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور