وقد أتسعت حديقة حيوان كأس العالم وازدانت بحيوانات وطيور شتى: من الديك والبطريق، مروراً بالقرد والنمس، وصولاً إلى الدولفين والباندا. ثم أنتقلت العدوى من بطولة كأس العالم إلى بطولات الأمم الأوروبية والأمم الأمريكية في العام 2012 وما بعده.
بعد أيام قلائل، تحتشد أنظار وألباب العالم كله قبالة شاشات التلفزة لمتابعة أكثر أحداث الكرة الأرضية اثارةً على الاطلاق: المونديال.
وبموازاة أخبار الساحرة المستديرة ، سيرصد المتابعون أخبار الحيوانات التي “تتنبَّأ” -في كل مونديال- بنتائج المباريات، لاسيما مباريات التصفيات النهائية، وصولاً الى المبارأة الفيصلية.
وهذه ظاهرة غريبة للغاية. ظهرت منذ مونديال 2010 في جنوب أفريقيا -اِنْ لم تخُنّي الذاكرة- حين سطع نجم الأخطبوط “العرَّاف” بول. ثم راحت هذه الظاهرة تتناسل وتتناسخ، فظهر الحمار أندريس، وأنثى الفيل سيتا، والباكا كاسيمير (الباكا: حيوان هجين من اللاما والخروف).
وقد أتسعت حديقة حيوان كأس العالم وازدانت بحيوانات وطيور شتى: من الديك والبطريق، مروراً بالقرد والنمس، وصولاً إلى الدولفين والباندا. ثم أنتقلت العدوى من بطولة كأس العالم إلى بطولات الأمم الأوروبية والأمم الأمريكية في العام 2012 وما بعده.
وفي مونديال البرازيل في 2014 ظهر الفأر المُدرَّع نورمان، وفي موازاته ظهر الجمل العربي شاهين، بعد أن أراد العرب أن يستعرضوا ارثهم التنجيمي العريض. كما ظهرت حيوانات وطيور أخرى هنا وهناك ، من بينها ببغاء وحمار ودولفين وغيرها.
أما في مونديال روسيا -الذي ستدور رُحى أحداثه بعد بضعة أيام- فالجماهير في كل أنحاء العالم على موعد مع القط الروسي الأصم “أخيل” الذي غدا ينازع أمهر محترفي لعبة كرة القدم العالميين على عرش الشهرة وعدسات الكاميرا واهتمام وكالات الأنباء العالمية وشبكات التلفزة الفضائية الكبرى!
وقد أثارت حكايات هذه الحيوانات زوبعة في الأوساط النخبوية قبل الشعبوية، إذْ تجاوزت حدود الطرفة والملهاة الى تخوم المأساة، بعد أن بدا سافراً مدى لهث أهل الغرب “المتقدم” وراء الخزعبلات التي كانت حصراً على أهل الشرق “المتخلف”!
.
.
ذات يوم ليس ببعيد، قرأتُ ملخصاً لدراسة تفيد بأن نحو 60 ألف امرأة يمنية -أو مقيمة في اليمن- يذهبن سنوياً إلى المشعوذين والدجالين، أملاً في الخلاص من أمراض أو أزمات أو حالات نفسية أو اجتماعية يعانين منها، وأنهن تدفعن لهؤلاء ما لا يقل عن 150 مليون ريال، ثمناً لما يقدمونه لهن من أحراز وتمائم وغيرها من أدوات النصب والاحتيال!
ويرى كثيرون أن عدم الثقة في الطب والأطباء، والابتعاد عن تعاليم الدين، وانتشار الأمية في أوساط النساء -لاسيما في الريف- أهم الأسباب التي أدت إلى تزايد إقبال الناس، وخصوصاً النساء، على أهل الدجل والشعوذة الذين يزيد عددهم على 300 ألف في البلاد العربية، وأن العالم العربي ينفق نحو 5 مليارات دولار سنوياً على هذه الظاهرة!
غير أن هذا المشهد لم يعد يصيبني بالدهشة اثر أن وجدت عديداً من المجتمعات المزدانة بالعلوم والتقنية والاختراعات المذهلة، لاسيما في أوروبا وأمريكا، تنقاد وراء الدجل وأهله في شتى أمور الحياة.
وكنت قد شاهدت -قبل عدة أعوام، في شاشة التلفزة العالمية CNN -شريطاً وثائقياً عن استشراء نفوذ الشعوذة في المجتمع المصري، لاسيما في الريف الذي يعاني شتى صنوف الجهل والفقر والمرض وغيرها من صور التخلف، وكيف أن هذا النفوذ الأسود سطا على نفوذ الجامعة والجامع والكنيسة والأحزاب والاعلام وكل وسائل التثقيف ووسائط التنوير.. غير أن مشاهد ذلك الشريط تلاشت أمامي اثر أن عرض تلفاز BBC تقريراً يكشف مدى انجذاب عدد من القادة والساسة الأمريكيين والأوروبيين إلى أمور الدجل والشعوذة واللهث وراء قراءة الكف والفنجان والودع وطالع النجوم!
.
.
صارت للشعوذة مؤسسات.. وللدجل شهادات.. وللتنجيم نجوم!
ويتبجَّح هؤلاء المشعوذون بأن سادة القوم -بل ونخبة النخبة- صاروا من زبائنهم ومريديهم.. وبالتالي يبدو للجميع أن أرباب الدجل صاروا فوق القانون أو يتمتعون بحصانة من الفضيحة والعقاب!
وإذا كانت النساء -في اليمن والبلاد العربية- هن ضحايا الدجل والشعوذة، لاسيما النساء الريفيات منهن، ممن ترزحن تحت سنابك الجهل والتخلف بكل أشكاله وصوره.. فان الرجال -ورجال النخبة بالذات- هم ضحايا الدجل والشعوذة في أوروبا وأمريكا وسائر العالم الأول.
وقد صرنا -أهل الشرق والغرب معاً- ضحايا التخلف وأسرى الجهالة. فلم نعد “كلنا في الهمّ شرقُ” كما كانت عليه الحال بحسب المقولة المأثورة القديمة، بل صارت المقولة الأصحّ حالاً وواقعاً: كلنا في الهمّ غربُ!
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور