هكذا أشعر داخل عقلي الذي لا يتوقف عن التفكير في أمور ٍ متشابكة، لست وحدي في ذلك فالبشر كلهم هكذا، على حد علمي على الأقل كلهم هكذا من همٍ إلى كدر ومن رغبة إلى مطلب ومن حسرة إلى وجع، سئمتُ ذلك.. عليَّ إنهاء كل هذا الهراء قبل أن يُنهيني..
يا لها من متاهات لا بداية لها ولا نهاية..!
هكذا أشعر داخل عقلي الذي لا يتوقف عن التفكير في أمور ٍ متشابكة، لست وحدي في ذلك فالبشر كلهم هكذا، على حد علمي على الأقل كلهم هكذا من همٍ إلى كدر ومن رغبة إلى مطلب ومن حسرة إلى وجع، سئمتُ ذلك.. عليَّ إنهاء كل هذا الهراء قبل أن يُنهيني..
يجب أن يتوقف أنين مفاصلي وعضلاتي، لابد أن أجد نوماً هانئاً كطفل ٍ رضيع ٍفي حضن أمه، لم أعد أطيق اشتعال معدتي وذلك الفرن الذي يلتهب أغلب الوقت في رأسي و ظهري، قلبي الصغير أصابه الهرم صار مشيب الهيئة أكثر من شعري الذي غزته الشعرات الفضيات فصار كنسيج هندي صنعته أيدي العاملات الكادحات، نسيج ٌثمين ٌلا يمكنهنّ ارتداؤه أبداً فهو للغانيات الثريات وكذلك شعراتي الفضيات ينسجن ما لن أرتديه بل هو من يرتديني..
ضجيج ٌ يملأ داخلي وكأنّ كل أسئلة العالم تقف فجأةً أمامي وكأنني زعيم ٌمن الزعماء؛ ما شأني أنا لتنهال كل.. كيف وماذا ولماذا وهل ومتى وووو …عليَّ؟؟!!
لست أقلل من شأن نفسي لكني لستُ زعيماً ولا مسؤولاً ولا خالقاً… أنا مجرد أنا مع احترامي البالغ لأنا، لدي أحلامي وأمنياتي الكريمات لي وللعالم -لن أنكر ذلك- لكن ما حدود إمكانياتي لتحقيق كل ما أتمنى و ما أرجو للعالم و لنفسي؟؟
ما يمكنني… ذلك هو السؤال الجوهري الذي أتوه كثيراً في تحديده، يرددون أنني أستطيع فعل كل ما أريد لو أردتُه حقاً، لست معترضاً على هذا الخطاب الحماسي للطبيعة البشرية لكن يجب أن تكون إرادتي مؤطرة كما كل الأشياء في الكون مؤطرة ببداية و نهاية؛ لذا سألت نفسي آلاف المرات أين أبدأ و أين أنتهي؟؟
والآن بعد عقود من الوجع أيقنت أن عليَّ كسر حصاري، عليَّ أن أتقبل الحياة كما هي فهي ليست كما أطمع وليست كما أخاف، عليَّ أن أتقبل طبيعتي البشرية بصفاء ورضا كعنصر في الكون، عنصر فعال مثل الأكسجين أو الكربون مع اختلاف أنني أمتلك كم هائل من المشاعر والرغبات والخيارات المتعددة..
حان الوقت لأعقد السلام مع طواحين أفكاري العابثة التي أقاتلها منذ وعيت، عليَّ أن أكون حكيماً أو أن أحاول ذلك فالألم صار لا يُطاق…
نعم عليَّ أن أتقبل أن جمال الشروق سيعقبه نهارٌ طويل يطالبني بالكدح ومع عدم حبي للكدح عليَّ تقبله و التمتع بالشروق، و مع أن جمال الغروب سيُغريني بحب الليل لكن ذلك لن يمنع كون الليل مظلم و موحش… هكذا هي الخليقة و هكذا سُننها شروق و غروب في كل فصولها و مراحلها، لا ذنب لي بذلك ولا جدوى من محاولة تغيير ذلك أو رفضه، عليَّ أن أتقبل أن من أحب هم بشر… سيذبلون ويموتون لا محالة، أنا أيضاً سيكون هذا حالي عاجلاً أم آجلاً فالفناء سنة ماضية على الأحياء شئتُ أم أبيتُ ومن الغباء أن أحاول إنكارها أو تجاهلها، عليَّ أن أتقبل الجداول الزمنية للحياة فالطفل لن يولد قبل تسعة أشهر -غالباً- فهكذا الأحداث لها وقتها في الحياة والنمو والتطور والتغير ومن ثم الفناء، الاستعجال ومحاولة تسريع الأمور ليست إلا مجلبة للنتائج المزيفة والعناء وداء السكري..
الزمن جزء من الكون و هو ملك مهيمن في ميدانه ولا طاقة لي أنا المسكين بمقارعته، عليَّ تقبله و تقبل الغيب المخيف… فالغيب يظل غيباً تنسجه آلاف آلاف الأقدار والعوامل التي تفوق قدراتنا على المعرفة أو التنبؤ … وتباً للخزعبلات بعد ذلك.
عليَّ تقبل الأخطاء التي تحفر الأخاديد المتقيحة في داخلي وتصنع في مجملها خبراتي فهذه طبيعة كيوننتي.. مخلوق لا يتعلم إلا من التجربة والمحاولة والخطأ..
كل ذلك و غيرها سنن وقواعد تمَّ تصميم هذه المحنة العظيمة المسماة (حياة) على أساسها… ليس أمامي إلا أن أتقبل وأتعامل مع الأمر ما استطعت فلست من صممها ولست من خلقها بل أنا مجرد مخلوق ذكي قادر على الاجتهاد فيها بدلاً من المصادمة العقيمة…
وعلى الناحية الأخرى.. يقبع البشر بنو جنسي الكرام، مهما حاولتُ لا يسعني العيش بدونهم، عليَّ أن أنضج وأتوقف عن محاولاتي العابثة للتخلي عنهم فهذا محال وسيقودني للجنون حتماً، فأنا كائن اجتماعي –وبغض النظر عن رأيي بالموضوع- هم يحتاجونني وأنا أحتاجهم بعدة طرق ومسالك، و مع قبولي بالشراكة الإجبارية لنا في هذا الكوكب الأزرق عليَّ أن أتقبل أن للبشر حريتهم في الخيارات تجاهي وتجاه أنفسهم كما أن لدي نفس الامتياز ، مهما أحببت ومهما رغبت لا يمكنني الاستمرار في أوهامي بالسيطرة على أحد مهما كانت مكانته لي، عليَّ أن أتقبل أن كل حرارة لهفة ستبرد يوماً ما… و أن تألق الحنين مصيره أن يأفل كما تأفل كل النجوم الساطعات… وطفلك الجميل يراك اليوم كل العالم وغداً سيتركك ليرى العالم…
لا حيلة حيال ذلك…
للبشر خياراتهم في الحب والبغض، في البعد والقرب، في القبول والرفض، ومحاولاتي لجعلهم كما أرغب لا يعدو كونه كدح وراء السراب، يمكنني محاولة إقناعهم لكن على توقعاتي أن لا تكون حاسمة أو عالية فهم كائنات مزاجية غامضة عجولة و فيها الكثير من التعقيدات..
ما طاقتي أنا لأحلل أو لأفهم كل ما يفكرون به أو إلى ماذا يسعون، و ماذا بيدي لأجعلهم كما أتمنى؟؟ أنا لا أملك إلا نفسي و خياراتي..
دوماً هناك احتمالية الوالد الجحود لبر أبناءه .. المهم أني بار، و شريك الحياة الخائن الغبي الأعمى عن محاسني ليس بيدي تغيير ما هو عليه ولست مجبر على إكمال الطريق معه، والصديق الغافل العجول مهما نصحته يظل له نصيبه العظيم من عواقب حماقاته…
إنها أوجاع البشر.. وهي في ذاتها خياراتهم المفتوحة التي أخبرنا ربنا أنه أعطاها لنا كهبة منه، فإذا كان الخالق منحها للبشر ولي فلماذا أعارضها أنا؟؟!!
لن يكون التقبل لكل ذلك سهلاً لكنه أسهل من الاستمرار في معاناتي وأحزاني ومتاعبي اللامتناهية والتي يوماً بعد يوم صرتُ أحملها على ظهري كصخرة سيزيف بلا فائدة وبلا جدوى سوى التعاسة..
آن الأوان لأتحرر… ليتك تتحرر معي…
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.