كتابات خاصة

فسيفساء البناء

أحمد ناصر حميدان

خوف الاختلاف والتنوع، وفسيفساء الحياة والحب وأدوات البناء، والنفوس التي ترفض هذا الجمال، والحقد الذي أعمى بصرها وبصيرتها، والثقافة التي ترفض التعدد والتعايش، ثقافة الشمولية المسيطرة التي تصنع مستبدا يروج كمنقذ من خيال بعبع، ولكل مرحلة بعبها.

نعيش بؤس التاريخ وتجاربنا الخائبة، بؤس لعبة الانتقام الأزلي، مشاريع صغيرة طائفية مناطقية أيدلوجية يبحث فيها الخاسر عن ربح خاص بتطرف ونوعا من العظمة التي تتأرجح بين الاجترار والحقد والأخذ بالثار، فتغلبنا غرائزنا لنكن لقمة صائغة للإطماع خارجية  بأدوات داخلية.

بؤس مجتمع مرهون لحالة خوف يُحكم بها، خوفا المظلوم من استمرار الظلم وخوف الظالم من انتصار المظلوم، خوفا يرفض ثقافة العدالة الانتقالية لترسيخ العدالة الاجتماعية، ثقافة الاعتراف وتقييم الذات ومنعطفات البؤس والعناء، ثقافة التصالح والتسامح وتجاوز الماضي، والجهل الذي يعتبرها ضعافا، والضعيف الذي يتظاهر بالقوة ويحتمي بالعنف، و السلاح بيد جاهل طائش مجنون.
خوف الاختلاف والتنوع، وفسيفساء الحياة والحب وأدوات البناء، والنفوس التي ترفض هذا الجمال، والحقد الذي أعمى بصرها وبصيرتها، والثقافة التي ترفض التعدد والتعايش، ثقافة الشمولية المسيطرة التي تصنع مستبدا يروج كمنقذ من خيال بعبع، ولكل مرحلة بعبها.
 حُكمنا 25 عاما مرعوبين من بعبع الامبريالية والرجعية، حاولنا تضييق الفوارق الطبقية، ووسعنا فوارق فكرية وأيدلوجية أكثر خطورة، فزرعنا أحقاد قتلتنا، وانشق الصف ليمين انتهازي ويسار انتهازي، نبذنا بعض وهاجر من هاجر، حتى ضعفنا وهرولنا لحضن الرجعية.
فحكمتنا الرجعية 25 عاما بأحقادها والرعب من الشيوعية، تطرفنا عقائدي وسلالي، بفتوى التكفير والاتهام والمغالاة، كُبلت عقولنا، فصنعنا وحوشا وإرهابيين باسم الجهاد بوسواس الشيطان، وشرخنا النسيج الوطني والاجتماعي باسم الوطنية بوسواس الطغيان، واقع سهل للمستبد أن يحكم طويلا بأحقادنا والثارات، واستبدلت الدولة بالعشيرة والنظام والقانون بالأعراف والإرث العقيم، ومارس المستبد كل هوياته القذرة وفساده العفن، لتفوح روائحه الكريهة، وتضيق الحرية به ذرعا، وتتنفس ثورة.
ثورة لا زالت في مخاضها، يتوارى خلف عناوينها وأهدافها النبيلة، مستبد ينشئ بثقافة الماضي وعقم الحاضر كمنقذ من بعبع الاخونجية والإرهاب كوسيلة لا غاية، ينتهك الحرية ويذل من يشاء ويعز من يشاء، ثورة صراع وعي بين قواها الحية، وبين الماضي وأفكاره الأصولية والشمولية، بنفس أدوات النفاق المتحولة التي تتمحور مع المرحلة، وتصطف مع العشيرة ومركزها المقدس.
ثورة تفقد مذاقها وتعاني ثقافة الكراهية ولم تتجاوز مراحل الانتقام الأزلي وأحقاده وضغائنه، ثقافة أفقدت الثورة عدالتها وقيمها ومبادئها، فتردءا الواقع، وغشش الجيل بأخطاء لا تغتفر، وصب كل غضبه على القيم والجغرافيا، بعيدا عن منظومة الحكم والسياسات، لتكال القيم بمكيال الجغرافيا، ويعاد الماضي وأدواته الثقافية والسياسية  بعودة منظومة الحكم، فلا غرابة اليوم فيمن يجاهر بالتفريط بسيادة الوطن، ويبرر للأطماع، مبررات لا تخطر على بال الطامع نفسه.
الحرية أن نتحرر من تلك القيود الموجهة لنكون أحرار في قراراتنا نحو فكرة جذر المشكلة لنحدد الحلول الصائبة التي تخرجنا من الدوامة، يحتاج لوعي ثم لجهد ومجهود الكل بكل اختلافهم وتوجهاتهم لتتلألأ فسيفساء البناء الاجتماعية والسياسية، بعيدا عن الحق للذات دون الآخر في التنظير والتفكير والتخطيط لأمر البلد هو سبب الكوارث وأساس المشكلات.
البلد يملكه الكل ويستوعب الجميع، إذ أن الكل مهم جدا في عملية البناء دون استثناء أو تذاكي على الآخرين، المسئولية جماعية  ضمان السير السليم للتغيير للأحسن وصلاح الحال، قوتنا في وحدتنا وتنوعنا وحريتنا واستقلالنا.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى