إنها أيام حافلة بالموت كلما اقترب شهر رمضان
هذا الأسبوع أرهقه السير خلف الجنائز وتشييعها إلى الحفر.
كونه حفار قبور لا يعني أن عليه انتظار الموتى حتى يصلون إليه، بل أنه يمارس هوايته في السير خلف الجنائز بانتظام ويسبقها أيضا ليستقبلها في حفرة أعدها بعناية و إخلاص.
إنها أيام حافلة بالموت كلما اقترب شهر رمضان، كأنما الأرواح في طابور طويل تنتظر القطاف، حدث نفسه: لعل قائمة الموت لدى عزرائيل طويلة وهو يتمنى إنهائها سريعا في موعدها المقرر، لقد تساهل طوال العام في قبضها والآن بدأ بتصفية أعماله بشكل سريع متلاحق وكأنه على عجلة من أمره.
تنهد باكتئاب وهو يتذكر قائمة الموت..
عاد يحدث نفسه: ليتني أطلع عليها لأرى هل ورد أسمي فيها لهذا العام؟
هل ورد أسما لأحد أحبائي كي أستعد بالتجمل بالصبر وترك الفزع؟
لقد رأى حلما ذات ليلة بعد ارهاق يوم شاق سارت فيه جنازة أحد معارفه مسافة طويلة، لقد رقد بعدها منهكا وحزينا يفكر في قائمة الموت ورأى في منامه أنه يسير في حقل فسيح على مد بصره لكنه كان أجدبا ومقفراً، شعر وهو يسير بشيء ما يهوي من السماء أعلى رأسه وحين رفع رأسه وجد ذلك المخطوط الملفوف والمربوط بسلك نحاسي، رأه يهوي نحوه فرفع كلتا يديه كي يتلقفه .
اعتقده خفيفا وهو يراه يسقط بخفة فقد بدا كورقة ملفوفة بشكل اسطواني، لكن ما أن وصل إلى يده حتى اذهله الثقل العجيب لشيء يبدو كورق البردي الذي يظهر في المسلسلات التاريخية.
في الرؤيا أدرك أنه أمام القائمة السرية لموتى هذا العام وأنها سقطت من يد عزرائيل أثناء تنقله بين السماء والأرض لإنهاء أعماله.
وعزى ذلك الثقل العجيب للورقة لوجود بعض الأرواح السمجة والشريرة التي يجب أن تزهق هذا العام ووردت أسماء أصحابها.
في الرؤيا هاله الأمر وسرت في جسده رجفة تشبه رجفة الموت.
وبلهفة متسارعة خوفاً أن يأتي عزرائيل لاستعادة شيء يخصه أو أن تختفي القائمة من يده كأفلام السحر، حاول بارتباك وارتعاش فتحها ليقرأ تلك الأسماء المنتخبة للرحيل هذا العام.
كان يتعرق مرهوباً مرعوباً يتوقع ورود أسمه ضمن الأسماء..
أصابعه المرتعشة حالت بينه وبين الثبات في الرؤية فكان يرى اسطرا من الأسماء لكنه لا يقدر على قراءة أي منها؛ وكلما حاول التدقيق والتركيز غامت الرؤية أكثر وارتفع وجيب قلبه حتى أصم أذنيه وشتت انتباهه.
حاول التركيز على الأسم الأول بمفرده فظهرت له حروف واضحة لا يستطيع تمييزها أو جمعها أو قراءتها، جرب أسما آخر ففشل، زاد اضطرابه و وجيب قلبه، يخيل إليه أنه يرى أسمه في كل سطر وكل حرف وكلما دقق غامت الرؤية وبهتت الحروف، كان يشعر أن الأسماء تتحرك من أماكنها في الأسطر المتراصة وتتنقل بحرية من فوق إلى أسفل حتى جن جنونه رعبا وارتباكا وكاد أن ينهار في الرؤيا أو يسقط ميتاً.
لقد استيقظ يومها محموما من ضربة شمس تلقاها أثناء السير خلف الجنازة..
لقد كان على يقين أنه لو لم يستيقظ ليلتها فأنه سيموت رعبا وقلقا في النوم.
لكنه أيضا لم يترك عادته العجيبة التي اكتسبها بعد تلك الليلة وهي النظر نحو السماء بترقب كلما سار في طريق مقفر وقاحل، لقد كان يرفع رأسه مستشرفا لشيء سيسقط عليه، لعل كف عزرائيل ترتخي وتفلت قائمة الموت لذلك العام.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور