تنتعش غددي الصمّاء والعمياء والعجماء كلما سمعت أو قرأت حديثاً عن كتابٍ ما.. ويزداد شوقي إلى قراءته إذا علمت أنه يجمع بين الميزتين الممتازتين في عالم الكتب: الفائدة المقرونة بالمتعة. ويكاد يندر في هذا الزمان أن تحظى بكتاب يجمع بين هاتين الضالّتين أو هاتين الحُسنيين.
في الأسبوع الماضي، كتب الصديق والزميل الأستاذ عبدالرحمن بجاش -في عموده اليومي المنشور في صفحته الفيسبوكية- عن كتاب “تاكسي”، للكاتب الفنان المصري المُضمَّخ بالبهاء: خالد الخميسي ، وهو نجل الأديب والرمز التنويري الفذ عبدالرحمن الخميسي.
وقد أثار “ابن الشيخ” بجاش شجوني فدفعني إلى البحث عن “تاكسي” في مكتبتي وإعادة قراءته مجدداً، برغم أنني قرأته مراراً منذ أن جلبته معي في إحدى زياراتي إلى القاهرة قبل أكثر من عقد من الزمان.
كالعادة، كنت أعود من القاهرة بمجموعة من الكتب، تتجاور في الحقيبة مع حفنة من الأدوية وقوالب من حلوى العبد، وثلاثتها رفيقاتي الدائمات في رحلات العودة من تلك الزيارات.
والقاهرة تزدحم بالكتب -عدا الصحف والمجلات- قدر ازدحامها بالبشر والأطعمة والموبايلات. وقد أصاب التلوث كل شيء -تقريباً- في قاهرة المُعِز التي صارت قاهرة اللمبي، غير أنه لم يستطع المساس بالكتاب. وأينما يمَّمت وجهك شطر مكتبة الشروق أو مدبولي أو الأزبكية أو الأسرة أو غيرها من المكتبات، ستلقى في كل مرة جديداً ومفيداً.
وغير مرة وجدتني أسعى -عبر أعمدتي ومقالاتي- إلى أن أُشْرِك قارئي معي في الاستمتاع والافادة بما أحتواه بعض هذه الكتب.. فلا نفع في من يقرأ ولا ينتفع الآخرون بما قرأ، على حدّ تعبير شخص لا أتذكَّر اسمه أو رقم موبايله.
صدر “تاكسي” الخميسي في ديسمبر 2006.. ثم توالت طبعاته منذ ذلك الحين حتى بلغت العشرين وزيادة بحسب علمي، وبحسب بجاش فان ثمة طبعات بلغات أجنبية، ما جعله من أكثر الكتب مبيعاً في مصر، إنْ لم يكن أكثرها على الاطلاق.
والكتاب يحوي عديداً من الحوارات بين المؤلف وعدد من سائقي سيارات الأجرة التي ركبها خلال مشاويره اليومية في القاهرة لفترة غير محدودة. وقد جاءت تلك “الحواديت” مُزدانة بأكثر القضايا والهموم التي يحفل بها الشارع والمواطن المصري عموماً والقاهري على وجه الخصوص، ساقها المؤلف في باقة من المواقف والآراء الناقدة والساخرة بسهلها الممتنع وقالبها الطريف، نقداً للسياسات الرسمية والممارسات الشعبية، وسخريةً من التصرفات الفئوية والمسالك الفردية، في بلد وفي مدينة يدبُّ فيهما الجديد والغريب والباهر والشاذ من الفعل والقول في كل يوم، بل في كل ساعة.
ومن أجواء هذا الكتاب البديع:
* السائق: ويسألوا الاقتصاد بايظ ليه؟ .. بايظ من الناس.. تصدّق بلد زي مصر، شعبها بيدفع عشرين مليار جنيه في السنة على التلفونات.. عشرين مليار جنيه! .. يعني لو متكلمناش سنتين والا تلاته، مصر حتختلف.
* والله أنا كان عندي أمل لغاية ما قبضوا على صدام حسين.. يوميها عيّطت عياط، وحسّيت ان احنا بنتفعص زي الحشرات.. حسّيت اني نملة وأيّ حد حيهرسني.
* في الحتة كلها مقدرش أدخل ولا أخرج غير مُنقّبة. واحدة صاحبتي جابت لي عقد مضروب في مستشفى، أهلي فاكريني شغّالة هناك.. وأنا أكسب ألف مرة في اليوم من مرتب شهر في المستشفى المعفّنة.
* أنا كنت شغّال عند واحد مليونير وكان مرتبي 700 جنيه غير الهدايا والهدوم والعيدية، وسبت كل الهنا ده عشان كان ممنوع أدخن. باشتغل سواق تاكسي طول النهار وطالع عين عيني عشان أبقى حر وأدخن براحتي.
* بيقول لك: اللي ماتْسجنش في فترة عبدالناصر مش حيتسجن أبداً.. واللي ماتْغناش في فترة السادات مش حيتغني أبداً.. واللي ما شحتش في فترة مبارك مش حيشحت أبداً.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.