كان قد بذل جهداً في إقناع والدته الأرملة أن تعطيه أسطوانة الغاز الفارغة والتي عجزت أن تملأها بمادة الغاز منذ وقت طويل نظراً لانعدامها من السوق وارتفاع سعرها المهول.
“لم يكن عليها أن تخضع لإلحاحه كونه ما زال طفلاً صغيراً”.
كانت تعاتب نفسها بولولة صامتة، فيما كان الطفل اليتيم الذي لم يتجاوز الحادية عشرة ينبش جيوب جاكيته المهترئ للمرة الألف باحثاً عن رزمة مال ربطها جيداً ودسها جيب جاكيته بعناية؛
لم يصدق حتى الآن أنها دخلت جيبه للحظات قبل أن تخرج لا يدري إلى أين أو كيف أو متى؟!
كان قد بذل جهداً في إقناع والدته الأرملة أن تعطيه أسطوانة الغاز الفارغة والتي عجزت أن تملأها بمادة الغاز منذ وقت طويل نظراً لانعدامها من السوق وارتفاع سعرها المهول.
فكر أن يبيعها ويشتري بثمنها “مادة البترول” كي يقسمها في عبوات صغيرة، ويبيعها في إحدى الجولات، هكذا كما يفعل الكثير من الصبية الذين يراهم على امتداد شوارع مدينته.
ظل لأيام طويلة يحاول اقناعها بكمية الربح الخرافية التي ستنتج عن العملية التي لجأ إليها الكثير من الناس مع ظروف الحرب وانتشار ظاهرة السوق السوداء.
وأخيراً أقنعها الطمع والحاجة..
سبق وأن اشترى زوجها أسطوانة الغاز بمبلغ صغير في حياته؛ حين كانت تطلب تعبئتها كلما انتهت وكان يملأها كأمر اعتيادي.
الآن لم يعد زوجها موجوداً كي يملأ أسطوانة الغاز؛ ترك موته العجز والحاجة والفقر في أسرة أكبر أطفالها هذا الأبن الذي يحاول أن يصبح رجلاً، فتعيده الحياة طفلاً يبكي لضياع المال من جيبه..
اقتنعت لأنها قد تعودت على طهي الطعام على الحطب في بيتهم نصف العاري..
وتمنت أن أشياء كثيرة لأطفالها أكثر أهمية من أسطوانة غاز فارغة..
تمنت أحذية تقي أرجلهم الأذى؛ تمنت ملابس تدفئ أجسادهم نصف العارية؛ تمنت لهم وجبة مشبعة حتى مرة في الأسبوع..
الآن ضاعت أسطوانة الغاز والمبلغ الخرافي في زحمة الجولة وجيوب ولدها المثقوبة..
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.