كتابات خاصة

الأبجدية اليمنية

حسن عبدالوارث

لليمني قاموسه الخاص وأبجديته الحصرية. وقي كل زمن وعهد تُضاف إلى هذا القاموس وتلك الأبجدية مفردات واصطلاحات وتيمات لغوية جديدة.

لليمني قاموسه الخاص وأبجديته الحصرية. وقي كل زمن وعهد تُضاف إلى هذا القاموس وتلك الأبجدية مفردات واصطلاحات وتيمات لغوية جديدة.

وهذه الاضافات تحدث غالباً في فترات الأزمات والقلاقل والحروب التي تغدو الرافد الأساس للمفردات والاصطلاحات الوليدة من رحم تلك الأحداث، وبالتالي يُرددها العامة ويحفظها الصغار قبل الكبار والنساء قبل الرجال.
حتى وقت قريب -نحو العقود الثلاثة- لم يكن القاموس اليمني يعرف مفردات مثل “النزوح” أو الأبجدية اليمنية تعرف مصطلحات مثل “الارهاب”.. أما أسماء وأنواع الأسلحة وعياراتها واستخداماتها المختلفة فقد بدأنا نعرفها ونرددها ونحفظها على إثر مذبحة 13 يناير 1986 التي كان لها الفضل في استفراغ أقبح ما في القبائل والعسكر وأنتن ما في الساسة والمثقفين.
أما اليوم فالأمر أسوأ وأخطر..
قمتُ بتجربة مستمدة من قواعد إحدى النظريات التي يقوم عليها علم النفس الاجتماعي، تأسيساً على المنهج التحليلي لكارل يونج. كانت التجربة أشبه بلعبة من ألعاب التسالي السهلة والبريئة، مستعيناً في تنفيذها ببعض معارفي من مختلف الأعمار والاهتمامات والمهن. كنتُ أطلب من أحدهم أن يأتيني بأول مفردة تخطر في باله وتبدأ بهذا الحرف أو ذاك. وقد ذهلت مما كنت أتوقعه أصلاً. فما كانت الحصيلة؟
ما الذي كان سينطق به المرء -في حالته السويَّة- إذا طُلب منه الأتيان بمفردة تبدأ بحرف الحاء، مثالاً؟ .. بالطبع: حب، أو حلم أو حلوى، أو حياة، أو حرية، أو حتى حجر، وربما حرارة إذا كان عدنياً أو حُدَيدياً وفي فصل الصيف اللاهب.. لكن ليس متوقعاً أن تكون “حرب” على الاطلاق.
والأمر ذاته في المفردات المتصلة بالأحرف كلها من الهمزة إلى الياء. إذا طلبت مفردة من الدال، تأتيك: داعش.. ومن الذال تكون: ذبح.. ومن الخاء تكون: خوف.. ومن العين: عميل.. ومن الغين: غلاء.. ومن الكاف: كوليرا.. ومن القاف: قاعدة.. وهكذا دواليك.
والأمر ليس مجرد جائحة لغوية فحسب، إنما ثقافية بالاجمال ونفسية بالمطلق. انظر في نصوص الأخبار ومتون المقالات وعديد المواد الثقافية والاعلامية بقالبها وفحواها على السواء، مما يتراكم على وعيك ووجدانك، مندلقاً فيهما من قنوات الاعلام الفضائي ووسائط التواصل الاجتماعي، واعمل التدقيق في الألفاظ والتيمات والاصطلاحات والتعابير التي تتردد وتتكرر بشكل يومي، مُلِح ومرعب. ثم استبصر ما آل إليه شعورك الباطن نحو ذلك كله، وتداعياته على لغتك وتصرفاتك وطرائق تفكيرك وتدبيرك في شتى أمورك.
وإذا ما انتهيت من ارهاق اللغة في هذا المضمار وعلى هذا المنوال، يمّم وجهك شطر الشارع الشعبي وتفكَّر في الحالات النفسية والعصبية التي باتت تتسيَّد هذا الشارع بعد أن غزت البيوت واستوطنت المؤسسات وسائر التجمعات البشرية بما فيها النخبوية بل والنخبوية جداً!
قال لي أحد الأصدقاء من الأطباء ممن يعملون في معالجة الأمراض النفسية والعصبية أن عدداً من هذه الحالات المرضية قد بدت جديدة على الاختصاصيين مؤخراً، فيما حالات أخرى كانت في حكم النادر صارت سائدة على نحو خطير. والتفاصيل في هذا الموضوع كثيرة ومثيرة، ولكن ليس ثمة متّسع لها ولا مجال في هذا المقال.
نعود الى موضوعنا: الأبجدية اليمنية… الجديدة.
خُذْ قلماً وورقة، وابدأ بالكتابة. اختر أول مفردة تلوح لك من أول حروف الأبجدية إلى آخرها. لا تحاول التصنُّع أو التجمُّل.. كُنْ أنت فقط، بحالتك اليوم كما هي وبمشاعرك ومعاناتك مع ما يلُفّك من أحداث وحالات وتجارب ومواقف قاسية وضاغطة ومؤذية ومربكة، مما استوطن أو حتى لامس حياتك اليومية -الخاصة والعامة- التي انقلبت رأساً على عقب في السنين القليلة المنصرمة وحتى هذه اللحظة.
أ: ألم .. ب: بطش .. ج: جوع .. د: دمار … ولا تتوقف. استمر حتى النهاية، ثم أعدْ الكرَّة مرة أخرى، حتى تتغيّر المفردات على نحو:
أ: أمل .. ب: بلد .. ج: جمال .. د: دوري.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى