إجابة أسئلة مصالح الأطراف والمناطق والرؤية للأوضاع والمستقبل الحالة اليمنية، عصية على التحليل والتنبؤ، يقف أمامها الباحث والمهتم حائرا، وربما يدفعه ذلك للتشكيك في قدرات من سبق من جهابذة السياسة الذين وضعوا قواعد وناقشوا حالات الخلاف والصراع والتحالفات الدولية.
ففي اليمن وحدها، يعمل الحليف بحليفة، ما لم يعمله الخصم، فهذا الحوثي يغدر بحليفه السابق علي عبدالله صالح، ويبدأ حملة اجتثاث غير مسبوقة، بحق أنصار الرئيس السابق، ذلك الرجل الذي مهد للحوثيين واعتبرهم لبرهة حلفاء جديرون بالثقة.
لكن ماذا عن الجانب الآخر؟، أقصد الشرعية، وفيها العجب العجاب أيضا، ففي الوقت الذي يفترض أن تتواجد الشرعية في المناطق التي تم تحريرها من الحوثيين، أصبحت أكثر غربة واستهدافا فيها، من ذي قبل، فاليوم ليس بإمكان الرئيس هادي ولا رئيس الحكومة، ولا حتى أعضائها أن يستقروا في العاصمة المؤقتة عدن.
وماذا عن عدن أيضا؟ في عدن شركاء الحرب ضد الحوثي، صاروا يتبنون مشروعا يهدد وحدة اليمن أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يجعل الناس الواقعين بين الحوثي والشرعية في حيرة شديدة، فهم كارهون للحوثيين، ويرغبون في التخلص من سلطتهم، لكنهم في ذات الوقت لا ينظرون باطمئنان للنموذج الذي بدأ يتشكل في المناطق التي تم طرد الحوثيين منها، بدعم من التحالف العربي.
وماذا عن التحالف العربي؟ أتى التحالف العربي، بعد أن نفذت جميع الحلول في مواجهة أطماع الحركة الحوثية وتغولها، حتى أن هذا التدخل تم اعتباره بمثابة الكي، كما يقول المثل العربي “آخر العلاج الكي”، لكن ماذا حدث لاحقا؟
دخلت حرب التحالف والشرعية ضد الحوثيين عامها الرابع، وبالرغم من طرد الحوثي من مناطق شاسعة، إلا أن تلك المناطق لا يمكن اعتبارها صالحة لأن تضع الشرعية أقدامها وتبدأ مهامها كسلطة حاكمة، وقائمة على مصالح الشعب، لماذا؟ لأن لدى بعض أطراف التحالف وجهات نظر أخرى بخصوص شركاء الحرب ضد الحوثي، وفي المقدمة حزب الإصلاح.
وماذا عن حزب الإصلاح؟.. يتعقد الأمر أكثر وأكثر إذا ما أدخلنا حزب الإصلاح في المعادلة، فهو الحليف الأكبر والأوسع انتشارا في جبهات القتال ضد الحوثي، لكنه في ذات الوقت، الكيان الأكثر إخافة ورفضا لدى بعض أطراف التحالف، فهو بالنسبة لهم ذراع حركة الإخوان التي صارت مؤخرا على رأس قائمة الإرهاب لدى الدول الفاعلة في التحالف العربي، وخصوصا الإمارات.
وماذا عن الإمارات ؟ قدمت أبو ظبي الكثير في الحرب ضد الحوثي، وكانت محل ترحيب لدى قطاع واسع من خصوم الحوثي، في بداية عاصفة الحزم، حينما كانت كل الجهود تصب في خانة تحرير الأرض من الحوثيين واستعادة الشرعية المسلوبة، لكن مع مرور الأيام، صارت أهداف كل الأطراف تتوضح أكثر وبالأخص الإمارات.
فأبو ظبي، مثلها مثل السعودية ومثل بقية الدول تمتلك أجندتها الخاصة من الحرب في اليمن، لكنها ربما الأكثر حضورا وخصوصا في المحافظات الجنوبية، حيث أصبح من الواضح أنها تدعم كيانات ذات أجندة إنفصالية، بالرغم من تأكيدها المستمر على أنها مع وحدة اليمن، يدفعها في ذلك اعتبارات عديدة منها، خوفها من حزب الإصلاح الذي يتواجد بشكل كبير في مختلف الجبهات، والأهم من ذلك، أن وجود حلفاء تم بناءهم من الصفر، يعني سهولة التحكم بهم، ومن ثم سهولة السيطرة على مقدرات المناطق المحررة، وفي المقدمة الموانئ والجزر وغيرها.
وماذا عن السعودية ؟ ، بالرغم من أن المملكة مستمرة على ذات الخط في حرب اليمن، وهو الخط الذي أعلنته في اليوم الأول لانطلاق عاصفة الحزم، والمتمثل في القضاء على الحوثي، وإعادة الشرعية، إلا أن تقلبات السياسة الداخلية، تنبئ بأن كل شيء يمكن أن يتغير في ليلة وضحاها، وخصوصا ما يتعلق بالملف اليمني، فسياسة محمد بن سلمان الأخيرة توحي بأنه ليس ثمة سقف للمفاجئات، وبالتالي فليس من المستبعد أن يكون هناك تحول بخصوص الملف اليمني شبيه بالتحول من الملف السوري، حيث أعلن محمد بن سلمان أن الأسد باقٍ في السلطة، بخلاف موقف المملكة خلال الأعوام الماضية، الذي كان أكثر تشددا تجاه الأسد وحكومته.
ولكن .. بين هذا كله ماذا عن الحوثيين ؟، يبدو أن الحوثيين هم أكثر الاطراف استفادة من التناقضات الداخلية والتقلبات الخارجية تلك، فهم بالرغم من خسارتهم لمناطق شاسعة، وبالرغم من خسارتهم البشرية الكبيرة، إلا أن وضوح الغاية بالنسبة لهم تمنحهم قوة كفيلة ببقاءهم واقفين في مواجهة خصومهم، فهم اليوم مهاجمين يُخاف منهم، بعد أن كانوا قبل أعوام في موضع الاستهداف، والدفاع، وبالتالي فليس من المستبعد أن يثبت الحوثيون سلطتهم في محافظات شمال الشمال، مستفيدين من الفوضى وحالة اللادولة السائدة في المحافظات الجنوبية، وكذا من حالة التناقض بين الأطراف التي تقاتل تحت لواء الشرعية.