كتابات خاصة

خطبة الجمعة وتنوير الجهل

أحمد ناصر حميدان

المصيبة عندما يستثمر الخطيب المنبر للترويج السياسي لقناعاته وتوجهاته، والكارثة في الفتاوى التي يصدرها البعض ويحرض الناس على القتل واستباحة الدماء لكل من يعارض تلك القناعات كثير ما يستخدم الدين كوسيلة للوصول لغاية قد تكون سياسية أو مصلحيه، الدين أهم وسيلة للتقرب للناس، فنسمع عن الإسلام السياسي، وارتداء الدين كعباية لهدف غير ديني أو أنساني، التطرف في حالاته اليوم يفرغ الدين من محتواه القيمي والإنساني والأخلاقي، ليروج من خلاله لمشاريع سياسية كانت أو فكرية ضالة تقيد العقول وظلمة الحياة، البعض لا يريد لخطبة الجمعة أن تواكب تطور العصر والإنسان، فتحولت لنص جامد تتكرر فيه المعنى والحركات والألفاظ الشكلية، منذ قرون، يفقدها المضمون التربوي والتعليمي والتنويري، شعور أن خطبة الجمعة تحفة تراثية من موروثات الزمن الماضي، لم تتجدد فيها الحياة لتودي دورها لتنوير المجتمع ثقافيا وسياسيا.

والمصيبة عندما يستثمر الخطيب المنبر للترويج السياسي لقناعاته وتوجهاته، والكارثة في الفتاوى التي يصدرها البعض ويحرض الناس على القتل واستباحة الدماء لكل من يعارض تلك القناعات، مساجدنا اليوم يحتكرها فكر يحارب كل من يختلف معه ويقصي ألأمة والخطباء والمؤذنين، ومن لم يغير بقرار سياسي تتكفل أيادي الإثم والإرهاب باغتياله، عبث بالمساجد وتنوعها وارثها العقائدي المتراكم منذ سنوات، لماذا لا تحيد منابر المساجد؟!! للإرشاد والتوجيه لوسطية الفكر والوعي الاجتماعي، ويجرم فيها التحريض والتأليب والفتاوى والتعصب والصراعات السلبية.     
الواعظ الجاهل أو المتعصب، يشكلا خطر جسيم على الأمة والوطن، فما هي أسس ومؤهلات الخطيب؟!
لماذا لا نحسن اختيار الخطباء من المشهود لهم بالوسطية، باعتبار المنبر للتنوير والتوعية والتربية العامة والعبادات، منبر لتشكيل وعي اجتماعي وسطي متحضر في أمور وشئون الحياة، في موضوعات عن الصحة وتربية النشء وأهمية التعليم والقراءة والتماسك الأسري والاجتماعي ومحاربة ألافاءات الاجتماعية والفساد، وآداب الطريق وحركة السير، والاقتصاد وترشيد الاستهلاك، ودفع الالتزامات المواطن  للدولة، وحب الوطن والإنسان والحياة والدين.
لماذا لا نترك للناس اختيار أئمة مساجدهم، من أخيارهم، أوسعهم علما ودين، وأكثرهم علاقة اجتماعية، يتلمس أوجاع وألام الناس، مؤتمن في وطنيته وأخلاقه، حب الناس كفيل بحمايتهم من الإرهاب ومصدر لتقيمهم ومكافئتهم   بعيدا عن السياسة والمدياسة.
واذا كان الكون يقوم على السنن والعقل يتفاعل معها ليكون شخصية وسلوك الفرد، فأين موضع الدعاء في تشكيل ثقافة الإنسان، ماذا تتوقع من إنسان يردد دائما الموت والدمار للآخر، لماذا لا نركز في الدعاء للبناء الذاتي والشخصية الاعتبارية والعقل المتميز والوعي المطلوب للبناء والتعمير لا الخراب والتدمير، وتحريم قتل الإنسان لأخيه الإنسان دون وجه حق أي دون حكم قضائي وشرعي. لماذا لا نرسخ عملية النقد الذاتي ضمن هذا الإطار الأخلاقي، فكما أنه حاسة وعي لمطاردة الأخطاء، كذلك هي التفات إلى الداخل للتطهير، وبالتالي محاسبة الذات قبل محاسب الآخرين، ومحاربة الفكر الضال والمتطرف الإرهابي.
بعض المنابر وكان ما يحدث في الوطن لا يعنيها، لم نستمع للترحم على أرواح ضحايا الإرهاب، ولا في ما يتعلق بمحاربة الجريمة والفساد والإرهاب، بل صمت مخزي ولا مبالاة تؤدي للتمادي والتطاول، حتى يصبح المنبر مشكلة للترويج للموت والصراعات، ضحاياه في ذمتنا ليوم الدين.
 لنجعل المنبر وسيلة للتنوير والتوعية العامة و نوقف العبث في استخدامه للتحريض والحشد والفتن لغايات مريضة أنانية خاصة، وصراعات مذهبية غبية والله من وراء القصد.

المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى