هناك من يرى أن إيماننا بالمعجزات على أنها حقيقة تخالف قوانين الكون وأن العقل يرفض تلك المخالفة لقوانين الكون، بتفسير أن المعجزات عبارة عن خرق للقانون في الكون هناك من يرى أن إيماننا بالمعجزات على أنها حقيقة تخالف قوانين الكون وأن العقل يرفض تلك المخالفة لقوانين الكون، بتفسير أن المعجزات عبارة عن خرق للقانون في الكون، فإما أنه يرفض تلك المعجزات أو يرى أن الأولى أن نقوم بتأويل تلك المعجزات على أنها رمز وحكاية فقط، لا على أنها حقيقة قد وقعت.. فهل يعقل أن إبراهيم ينجو من النار بعد دخوله فيها وهل يعقل أن موسى يضرب بعصاه البحر فينشق وهل يعقل أن عيسى يحيي الموتى وهل وهل ….الخ؟؟
قبل أن أدخل في المعجزات أو البينات التي جاء بها الأنبياء قديما لا بد أن نعرف مصدر معرفتها، ونحن كمسلمين لا نعتمد في ديننا على قبول الغيب إلا بمصدر قطعي الثبوت أنه من عند الله ولذا قال العلماء أن العقائد لا تؤخذ إلا من القرآن كونه الكتاب الوحيد القطعي الثبوت وقطعي الدلالة, ودعوكم ممن يفتح الباب بأخبار ظنية أحادية وسعت الباب لدخول الخرافات إلى ديننا، لأن ما ثبت بالظن لا يصح أن نجزم بنسبته إلى الله وإذا لم نجزم فإنه خارج الوحي وما كان خارج الوحي من الله فاضرب به عرض الحائط..
وثانيا: أرى أن تلك المعجزات ليست خارجة عن القوانين تماما وإنما هي عمل بقوانين لم تكتشف بعد، فقيمتها أنها سابقة لزمنها لا أنها خارج قوانين الكون.
وتخيل معي لو أنك عدت إلى الوراء ألفي عام أو حتى إلى زمن النبي 1400عااً، ثم ذهبت لتخبرهم بأنك تتصل بالتلفون المحمول بصديقك الذي يسكن في فارس أو الهند أو أنك تخاطب هرقل أو كسرى وأنك تستطيع مشاهدة صديقك في روما عبر جهاز تلفزيون بشكل مباشر وما يعمل في تلك اللحظة فماذا سيقولون عنك؟ سيقولون: هذا غير معقول هذا سحر هذا …الخ. فالإعجاز في زمن الأنبياء لم يكن في خرق قوانين الكون وإنما في العمل بقوانين لم تكتشف بعد ولم يكن الإنسان في ذلك العصر قد اكتشفه.
وقد وصل الإنسان اليوم إلى اكتشاف جزء بسيط منها، ولا زال أمامه الكثير مما لم يستطع اكتشافه، يذكر الدكتور مصطفى محمود قصة مشهورة حينما نزل المستعمرون أفريقيا وحطت أول طائرة لهم في الغابة وسط البدائيين.. ماذا حدث؟
سجد الزنوج العراة على وجوههم ودقوا الطبول وذبحوا القرابين وظنوا أن الله نزل من سماوته وتصوروا فيما حدث خرقا لجميع القوانين.. مع أننا نعلم الآن أن الطائرة تطير بقانون وتنزل بقانون وأنها مصممة حسب القوانين الهندسية المحكمة، وأن طيرانها أمر معقول تماما وأنها لا تخرق قانون الجاذبية، وإنما تتجاوز هذا القانون بقانون آخر هو قانون الفعل ورد الفعل، نحن إذن أمام تفاضل قوانين وليس أمام خرق قوانين، والماء يصعد في ساق النخلة ضد الجاذبية ليس بخرق هذه الجاذبية وإنما بمجموعة قوانين فسيولوجية تتفاضل معها، هي قانون تماسك العمود المائي وقانون الخاصية الشعرية وقانون الضغط الأزموزي.. وهي جميعها قوانين تؤدي إلى شد الماء إلى أعلى.
نحن دائما لا نخرج عن العقل ولا عن المعقول وما حدث لم يكن بهلوانيا وإنما كانت دهشة الزنوج البدائيين مردها جهلهم بهذه القوانين، وكذلك من يتصور أن تلك المعجزات لا معقولة وأنها خرق للقوانين، بينما هي تجري جميعها على وفاق قوانين إلهية، وهي إذن صنوف من النظام ومن المعقول ولكن أعلى من مداركنا، والله لا يهدم النظام بهذه المعجزات وإنما يشهدنا على نظام أعلى وقوانين أعلى وعقل أكبر من استيعابنا، والحق أننا نعيش في عصر لم تعد تستغرب فيه المعجزات، وإذا كان العلم البشري أعطانا كل هذا السلطان فالعلم الإلهي لا شك أنه يمكن أن يمدنا بسلطان أكبر.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.