يقول تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء: 34
تثير مسألة ضرب الزوجة كثيرا من الجدل حولها، يذهب أكثر جزء من ذلك الجدل حول مدى مشروعية تلك العقوبة، ويذهب جزؤه الثاني حول معنى الضرب التي جاء في الآية القرآنية، وكنت قد كتبت قبل سنوات حول موضوع “ضرب الزوجة” ما قيل في الموضوع من تأويلات، ولكني اليوم سأذهب لنقاش موضوع لم يأخذ جدلا كبيرا في تفسيره رغم مصاحبته لذلك الموضوع، باعتباره مقدمة له.. وهو موضوع قديم في البال وقد جاءت الفرصة لأتوقف عنده وهو موضوع النشوز الذي ذكرته الآيات.
يقول تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء: 34
النشوز في أصل اللغة هو المتن المرتفع عن الأرض، والناشز هو المخالف للحالة الطبيعية فهو لا يتساوى مع ما بجواره، وقد فسر المفسرون النشوز في الآية بأنه عدم طاعة الزوجة لزوجها، ولكن هذا المعنى عام في النشوز ويغفل المعنى الخاص في سياق الآية، ولو تأملنا سياق الآية سنجد أن هناك معنى خاصا للنشوز في سياق هذه الآية لا يخرج عن المعنى العام.
تعالوا بنا لنتأمل الآية من بدايتها ليتضح لنا بعد ذلك معنى النشوز ببساطة، يقول تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء: 34، لنتوقف عند الكلمات التي جاءت قبل النشوز، ” فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ” والحديث هنا عن الزوجات الصالحات اللاتي يحفظن غيب أزواجهن، أي يحفظن عرضه كما يقول المفسرون، ثم جاء العطف بعدها ” وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ” أي واللاتي تخافون نشوزهن بأن لا يحفظن غيبة أزواجهن فعظوهن..، إذن نحن أمام فريقين من النساء تكلمت عنه الآية: الأول: حافظات للغيب غير ناشزات، والثاني: ناشزات غير حافظات للغيب، وعلى هذا فإن الناشزات هن اللائي لا يحفظن الغيب، أي لا يحفظن العرض كما قال المفسرون، أي أن هناك شبة خروج عن طريق العفة أو مقدمة للخيانة، وأقول مقدمات فقط لا خروج كامل عن العفة، لأن لذلك حكم آخر ذكرته آية أخرى.. يؤيد هذا المعنى ما جاء في الرواية التي رواها مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام: “وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ”()، فهذا الرواية تنهاهن أن يوطئن فراش الرجل أخدا يكرهه في حال غيابه، وهذا نوع من حفظ الغيب.
هذا بالنسبة لآية نشوز المرأة أما بالنسبة للآية التي تحدثت عن نشوز المرأة في نفس السورة عند قوله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء: 124، فلها سياق آخر لمعنى النشوز الخاص بالآية وإن اتفق مع أصله العام.. وهنا نلاحظ أن الآية لم تذكر عقوبة للرجل وإنما حثت على الصلح فلماذا؟
لو رجعنا لسياق الآية بما بعدها وعرفنا المعنى الخاص للنشوز في الآية سنعرف لماذا قالت بالصلح لا العقوبة، وكما قلت سابقا بأن المعنى الأصلي هو الخروج عن الحالة الطبيعية، وكان خروج المرأة في الآية إلى عدم حفظ الغيب لأزواجهن، وتلك مشكلة قد تهدم بيت الزوجية، أما نشوز الرجل التي تحدثت عنه الآية فلم يكن نشوزا إلى مقدمة خيانة، وإنما كان ميلاً إلى إحدى زوجاته على حساب الأخرى، فالنشوز مقترنا بالإعراض وهو أقل درجة من الإعراض، ولذا قالت الآية ” نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا”، وسياق الآية بعدها يؤكد ذلك المعنى للنشوز، يقول تعالى: (وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا) النساء: 125، فهذا الآية ذكرت أن الرجال لن يستطيعوا تماما العدل في الشعور القلبي ولكن عليهم أن لا يميلوا في الأفعال إلى إحداهن فيذروا الأخرى كالمعلقة، فإذا مال للأخرى فإنه نشوز، وفي هذه الحال لا بد من التدخل للإصلاح بينهما، وتأملوا معي كلمة الإصلاح في الآيتين: الأولى (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا)، والثانية (وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا)، وهذا يبين لنا أن الآيتين تتحدثان عن موضوع واحد، وأن النشوز كان في الميل لإحداهن على حساب الأخرى.
إذن فإن الآيتان قد استخدمتا نفس اللفظ ولكن تغير معناه الخاص قليلا مع بقاء المعنى العام للنشوز، وهذا لا يعني أن النشوز محصور في تلك الحالتين فقط، وإنما قد يكون له حالات كثيرة عند الرجل أو المرأة، وفي كل حالة له معالجة خاصة تناسبه، بحيث نحافظ على الهدف الأساس وهو حفظ بيت الزوجية من أي يصيبه أي شرخ أو تهدم.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.
مع احترامي و لكن أي طفل في المرحلة الابتدائية سيعرف أن قانتات حافظات للغيب هي صفات للصالحات في الأية، وحملك للنشوز على أنه عدم حفظ غيبة الزوج لا يقبله عقل ولا نخوة و لا مروءة، فكيف لرجل يعلم ان زوجته تخونة أن يقوم باتباع المراحل الموصوفة في الأية للتقويم بل ان معنى اضطراره للانتقال من مرحلة الى اخرى يعني انها مستمرة في الخيانة حتى بعد معرفة الزوج. هل يوجد رجل يقبل باستمرار زوجته في خيانته فتكون ردة فعله بعد وعظها هو هجرها في المضجع؟ أو أمرأة بعد ان افتضحت خيانتها امام زوجها تستمر في ذلك حتى يضطر زوجها لهجر مضجعهم لعقابها؟ هذا غير معقول.
أنت حملت قوله (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) على ما قبلها و قلت انه يجب تفسيرها بما قبلها و تجاهلت قوله (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) و هو الذي يفسر معنى النشوز حقا فالله هنا يخبرنا انه لا يجوز للرجل ان يقوم بعقاب أو تقويم زوجته إلا إذا قامت بعصيانه.