لم تعلم أمي أن الناس جميعهم يمقتون السياسة، وينزلون عليها غضبهم بكل حين، كيف لا وهي التي أوصلتنا لهذه المرحلة.
امضي بعيداً عن السياسة، هكذا تخبرني أمي، وتجبرني على ألا أتدخل بها؛ لأني “بنت” أو كما قالت.
لم تعلم أمي أن الناس جميعهم يمقتون السياسة، وينزلون عليها غضبهم بكل حين، كيف لا وهي التي أوصلتنا لهذه المرحلة.
خرجت ملجمةً فمي بنصيحة أمي بكل حذر، فحديث الليل الذي غمرتني به كان له وقعه الخاص على قلبي ومخيلتي.
أصبحت حذرةً من كل شيء، ولستُ وحدي من يمارس هذا الحذر، بل أغلبية الناس، إن لم يكن جميعهم، لأن الفئة الباغية تتربص بمن له باع بالسياسة أو يتلفظ بها.
مضيت بالشارع متجاهلةً النظر إلى الناس الجوعى فيه كي لا تزل لساني بكلمة غضب على من كان سبباً بهذا.
هي بعض همهمات كنت أصدرها أتحدث ونفسي بحوار داخلي عنيف لا أدري ماذا أفعل أأؤنب نفسي؟ أم الآخرين؟!
قابلت طابور اسطوانات الغاز وصوت الاسطوانات الذي ضج به الشارع ومن حوله
رأيت ذلك المنظر الذي لم أره من قبل لأولئك الناس الذين انتظموا طابوراً كبيراً ترى بداياته ولا تجد له نهاية، وتلك البحيرة الكبيرة أمامهم الناتجة عن فيضان المجاري، والباصات تمر عليها لتنضح من ذلك الوباء عليهم وعلى اسطواناتهم، ناهيك عن صورهم الشاحبة وعيونهم الممتلئة بعلامات السهر والأرق،؛ ورأيت صاحب الباص الذي لا حول له ولا قوة وهو يشترط على كل داخلٍ في مركبته أن يدفع مائة ريال أو ليخرج متحدياً إياه أن يجد باصاً بأقل من هذا السعر، ثم يحشو باصه بالركاب الكثيرين وهذه من عاداتهم المعروفة
ثم يمضي على قلق ليقابل مندوب الفرزة فيدفع له المبلغ المعين وينطلق ليقابل المندوب الثاني الذي يأخذ منه النقود وهو يزجره كما زجر هو من قبل امرأةً أرادت أن تصعد باصه ولم تمتلك إلا خمسين ريالا، ويذهب كغيرة من المواطنين يشكو من أسعار الوقود وانعدامها ويترقب المندوبين بحذر، وينهي الحديث عند دخول ذلك المرتدي للزي العسكري الذي دخل الباص دون أي شرط وخرج منه ولم يدفع نصف ريال.
لن أتدخل بالسياسة يا أمي لأني لم أعِ بعدُ ماهيتها ولم أعرف كنهها، ولست أمتلك الرغبة لمعرفة ذلك. كل ما أريده هو أن أتحدث بما رأيت وأرى دون أن يصنف حديثي ضمن سياسة أو غيرها.
فليست أمي وحدها من تكره السياسة جميعنا نكره الساسة والسياسة كما نكره الصمتَ ونُكْرهُ عليه.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.