كتابات خاصة

دعاء الرجل الغريق

سلمان الحميدي

تعلمت أن أستفيد أي شيء من أي شيء أطالعه أو أشاهده مهما بدا كبيرًا أم تافهًا، سطحيًا أم أعمق من العميق.

تعلمت أن أستفيد أي شيء من أي شيء أطالعه أو أشاهده مهما بدا كبيرًا أم تافهًا، سطحيًا أم أعمق من العميق.

ليس هذا تبريرًا لمشاهدة الفيلم الهندي الذي إلتقطت منه هذه النكتة، النكتة التي تنطبق على واقعنا.
تقول النكتة التي رواها المجرم الشرير في لحظة تحوله إلى خيِّر رومانسي لجذب حبيبته التي قادت عملية التغيير بداخله، تقول: إن رجلًا أوشك على الغرق، رفع يده إلى السماء ودعا:
يا رب أنقذني.
مر قارب، فطلب صاحبه من الرجل الذي يتخبط في الماء أن يمد يده، لكن الرجل رفض.
مرت سفينة، مد الركاب أياديهم لإنقاذ الرجل، لكنه أيضًا رفض أن يمد يده.
غرق الرجل ومات.. سأل الله: لمَ لمْ تنقذني وأنا أغرق؟
فقال له الله: وهل تظن أن أباك هو من أرسل القارب والسفينة!؟
يذهب هدف النكتة إلى ما جاء في الإنجيل تقريبًا: «إن الرب لا يساعد الذين لا يساعدون أنفسهم».  ولست متأكدًا إن كنت ألفيت هذه الجملة في فيلم بوليودي بحبكته الخارقة أم هوليودي حاز على الأوسكار،  أم أني قرأتها في رواية عربية أم أجنبية على هذا النحو.
غير أن النكتة تأطرت في رأسي على واقعنا إلى حد بعيد..
فالتواكل الذي تبديه الشرعية، بل ومعظم الأحزاب السياسية، ورجال عائلة صالح، يشبه وضعية الرجل، بطل النكتة وليس بطل الفيلم، الرجل الذي أوشك على الغرق وأوكل نجاته إلى الدعاء ولكنه رفض أن يمد يده، التواكل على دول التحالف في صناعة المصائر وبناء المستقبل السياسي وسط  أعمال الهدم والخراب.
يظهر كل فصيل على الأرض اليمنية، بانتظار دوره الذي ترسمه القوى الخارجية، الحوثيون أنفسهم يظهرون أيضًا بيقين خالص بأن التحالف قد رسم لهم المسارات الواضحة للرقص على الرقعة. في الأفلام الهندية الرقص هو الحقيقة الثابتة، الراقصون يتمايلون بإتقان، حركة موحدة، تهجم هناك، يقصفونك هناك، يسمحون لك بالتجول في البقعة تلك، وبأخرى تزرع الألغام، يحيلونك إلى أشلاء في الحمى، يدعونك إلى الحوار، يذهب وفد المليشيا إلى ظهران الجنوب، يجد نفسه في قائمة المطلوبين بمكافئة باهظة، لا يعرفون شيئًا هم فقط دعوا، ورفضوا أن يمدوا أيديهم للشعب ليحظوا بالنجاة، رفضوا أن يمدوا أيديهم لغير البنادق للقتل والاختناق في اللجج العاتية، تحولوا إلى الرجل الغريق دون دراية.
الشرعية تبدو متواكلة، وكلما رفعت رأسها، قام من قامت بزراعة العراقيل أمامها لتظهر واهنة على الأرض فتفلت يدها، وتعود لتوكل التحالف بإدارة مد المعركة وجزرها..
لن تنجح إذا وضعت كل مسببات الإنقاذ في يد حليفك، الإعتماد على التواكل الدبلوماسي فقط، هو الغرق، إطلب المساعدة نعم، ولكن مد يدك وسيطر على الأرض.. ساعد نفسك.. فالرب لا يساعد الذين لا يساعدون أنفسهم، والتحالف الآن قد لا يبدو راضيًا حين يرى أيادي الشرعية تتحرك، ولكنه سوف يشكرها فيما بعد حين تنقشع سحب البارود وتتضح الحقائق.. حين تتكشف النجاة من الغرق لنا جميعًا، ونعود لمشاهدة فيلم هندي، ولا يلوم بعضنا البعض.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى