الحكومات الموازية و”هوس الموانئ”.. هل تكرر الإمارات تجربة الصومال في اليمن؟! (تحليل)
كما في اليمن تتسبب الإمارات بتآكل الشرعية في الصومال الدولة الوليدة بعد حرب أهلية دامية يمن مونيتور/ صنعاء/تحليل خاص:
أعلنت الحكومة الصومالية الفيدرالية إلغاء اتفاقية ميناء بربرة بإقليم أرض الصومال مع شركة موانئ دبي العالمية، كانت مقديشو قبل ذلك قد اتهمت الإمارات بخلق كيانات وسلطات موازية في البلاد التي تحاول التعافي من حرب أهلية، للسيطرة على الموانئ بعيداً عن السلطة الشرعية التي تتآكل. وهو ذات الاتهام الذي تتلقاه أبوظبي جنوبي اليمن.
وأشارت وزارة الموانئ الصومالية إلى أن “الاتفاق يعتبر باطلا وخرقا للقانون ويعرقل وحدة الأمة الصومالية وتماسكها”. كان هذا هو الميناء الثاني في القرن الأفريقي الذي يتم إلغاء عقده مع الشركة الإماراتية فقد سبقت جيبوتي الصومال بإلغاء عقد ميناء دوراليه.
وأكدت الوزارة الصومالية أن الحكومة الفيدرالية ليست جزءا من هذا الاتفاقية التي لم تنفذ وفقا للدستور المؤقت وغيره من قوانين جمهورية الصومال الفيدرالية.
فشلت جهود صومالية خلال عام 2017 من الوصول إلى اتفاق مع الإمارات يوقف ما وصفته الاستيلاء على ميناء تديره الحكومة الفيدرالية بتوقيع اتفاق مع إقليم أرض الصومال، وزار الرئيس الصومالي محمد فرماجو أبوظبي مرتين بحث خلالها مع ولي عهد أبوظبي ومسؤولين إماراتيين من أجل الوصول إلى تسوية للملف. كانت أبوظبي تعد فرماجو بإيجاد حل لكنها في نفس الوقت لا تفعل شيئاً.
الإمارات ترفض إيقاف نفوذها
ووفقا للمسؤولين الذين حضروا المحادثات بين الرئيس الصومالي ومسؤولين في دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد اشتكى السيد محمد الذي اكتسب سمعة بكونه حاسما رافضاً للمصالح الاستراتيجية الإماراتية في الصومال منذ وصوله إلى السلطة عام2017، من أن الدور الإماراتي الحالي في بلاده يشكل انتهاكاً “لسيادة بلاده”.
وتزامن إعلان الحكومة الصومالية مع زيارة السفير التركي لدى الصومال أوجلان بكر، إلى مدينة هبيو بمحافظة مدغ وصفتها وسائل إعلام صومالية بالتاريخية، وأقدمت حركة الشباب المتطرفة من السيطرة على مدينة بلعـد الواقعة على بعد 30 كلم شمال العاصمة الصومالية مقديشو، وفي سياق أخر تبنت حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة مسؤولية الهجوم في مدينة افغوي بمحافظة شبيلى جنوب غرب الصومال وهو ثاني هجوم انتحاريه تعلن حركة الشباب مسؤوليتها عنه في غضون 48 ساعة من إعلان مقديشو إلغاء العقد من الشركة الإماراتية.
وحسب تقرير للجنة الخبراء المعنية بالعقوبات على الصومال فقد رُصد انتهاك الإمارات لحظر الأسلحة المفروض على الصومال، ويكشف أن حركة الشباب تتلقى نحو 10 ملايين دولار سنويا من تجارة الفحم غير المشروعة، ولا زالت مدينة “دبي” وجهة التصدير الرئيسية، إضافة إلى كونها مركزا للشبكات الإجرامية التي تنتهك الحظر المفروض على تصدير الفحم في إفلات شبه كامل من العقاب.
إن هذه الطريقة في التعامل مع الصومال تشبه إلى حدٍ كبير التعامل مع ميناء عدن والمحافظات الجنوبية حيث تبني أبوظبي علاقتها بشيوخ القبائل، والحكومات الموازية التي تم تأسيسها في الأقاليم الأخرى.
وحسب معهد الأمن القومي الأفريقي فإن الإمارات تتحرك خارج أطر السلطة الصومالية، كما يحدث في اليمن، فهي تستأجر الموانئ وتبني القواعد بالتعاقد مع السلطات الموازية ومخالفة الدستور الصومالي، إذ تشير المادة رقم (54) من الدستور الصومالي إلى أن السياسية الخارجية لأقاليم الصومال كافة هي من اختصاص حكومة مقديشيو.
ونظرا لعدم تمكنها من إقناع فارماجو بتغيير رأيه، فإن دولة الإمارات بدلا من ذلك ذهبت إلى تقوض موقفه من خلال المقاطعات وإعلان تمردها؛ وذلك من خلال الحديث مباشرة مع الأقاليم التابعة لحكومته؛ حيث استقبلت أبوظبي على أراضيها عدداً من رؤساء الأقاليم الصومالية، مثل شريف حسن زعيم إقليم غرب الجنوب الصومالي، وغيره.
وقد حافظت دولة الإمارات العربية المتحدة دائما على علاقاتها مع المقاطعات الفدرالية في الصومال بطريقة لم تفعلها أطراف خارجية أخرى في الصومال، مثل تركيا التي قامت ببناء قاعدة عسكرية في الصومال. ومع ذلك فإن تجاوز دولة الإمارات النشط للحكومة الصومالية في هذه الحالة يقوض سلطتها، مما يساهم في تآكل عملية بناء الدولة التي استثمر فيها المجتمع الدولي كثيرا- حسب ما يقول المعهد
تجربة عدن
وقال مسؤول يمني في عدن لـ”يمن مونيتور” إن الإمارات تبني ذات التدخلات في شؤون الدول الأخرى بنظام موحد، تآكل شرعية السلطة مقابل نفوذ الفاعلين المحليين.
ويرفض الرئيس اليمني تأجير الموانئ للإمارات، وسبق أن ألغى عبدربه منصور هادي اتفاقاً سابقاً عام 2012 بتأجير ميناء عدن لموانئ دبي التي كانت قد بدأت العمل فيه منذ 2008، وأدى في النهاية إلى تراجع عمل الميناء أكثر من النصف عما كان عليه في 2007.
وأضاف المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن هويته: “أنّ دولة الإمارات قد عملت على إنشاء مليشيات أحكمت من خلالها السيطرة على عدن لكنها لم تحقق الأمن والاستقرار على الأقل لأهالي المدينة التي تشهد موجة اغتيالات مفزعة طالت كوادر من الأمن وأئمة المساجد واعتداء على منابر إعلامية مختلفة واعتقالات لصحافيين مناوئين للسياسة الإماراتية في المحافظات الجنوبية”.
وأبدى المسؤول اليمني من تكرار ما تقوم به الإمارات في الصومال في المحافظات الجنوبية بتوقيع السيطرة على الموانئ اليمنية في الجنوب مع “المجلس الانتقالي الجنوبي” الذي تأسس في مايو/أيار2017 ويحظى بدعم واسع من الإمارات (ويقوم المجلس بدور موازي للحكومة المعترف بها دولياً ويملك ميليشيات يصل عدد أفرادها إلى 30 الف مقاتل دربتهم الإمارات).
وقال المسؤول المتابع للمشهد الصومالي محاولاً إسقاطه على اليمن: “تحليلنا كمتابعين للمشهد الصومالي أن موانئ دبي ستستمر في العمل بميناء بربرة رغم الغاء الحكومة الفيدرالية اتفاقية الميناء بأنها لاغية وباطلة، والسبب يعود إلى أن الحكومة الصومالية مهترئة وليس لها قدرة على تطبيق القرار والسيطرة على الميناء الذي هو أصلا ليس تحت نفوذها لكنه يقع في ارض الصومال ذات الحكم الذاتي والتي لا تخضع للحكومة الفيدرالية”.
وهو ذات المنظور الذي يمكن أن يتكرر في اليمن، وتشير أحداث نهاية يناير/كانون الثاني الماضي إلى الوجود الإماراتي العنيف الذي أسقط عدن وحاصر القصر الرئاسي في معاشيق.