كتابات خاصة

خربشة على هامش المشهد

حسن عبدالوارث

إن تمزُّق نسيج العلاقة بين “الشرعية” و “التحالف” لا يخدم سوى القوى التي انقلبت على الدولة وشرعية الحكم في 21 سبتمبر  تفيض حقائق الميدان ووقائع الواقع -في اليمن- بجملة من المؤشرات والدلالات، بل والأدلة الساطعة، تصب كلها في مستنقع الاعتقاد الراسخ باستحالة انتهاء أمد الحرب في زمن منظور . وقد جاء التقرير الأممي -الصادر بهذا الخصوص مؤخراً- ليؤكد صحة ومتانة هذه الحقيقة لدى من لايزال يعتقد متوهماً بامكانية انهاء حالة الحرب، اما بالحل السياسي أو بالحسم العسكري.

و بدا واضحاً أن المجتمع الدولي قد نفَّض يديه من امكانية انقاذ اليمن وأهلها من الوضع المأساوي الذي يتفاقم يوماً اثر آخر، في ظل غياب أية آفاق للاتفاق بين أطراف النار والدمار والقتل والقتل الآخر الذين يُصروُّن على الذهاب بالبلاد والعباد الى حالة صوملة بصورة أكثر سوداوية.. ومما يزيد الوضع انسداداً في أفق المشهد أن هذه الحرب قد صارت تجارة مريحة ومربحة لجميع أطرافها: المحليين والوافدين!
وقد صار المواطن اليمني بين فكّي كمّاشة.. ففي الوقت الذي تُثقل قوى الانقلاب كاهله بالمزيد من الممارسات الغاشمة والاجراءات التعسفية الذي تضغط بقوة عليه معيشياً وأمنياً ونفسياً، نجد أن قوى التحالف قد صارت -في رأي قطاع واسع من الجماهير- خارجة عن الهدف الذي قدمت من أجله أي نجدة الملهوف إلى هدف آخر هو نتف المنتوف ..فقد تصاعدت حدَّة النقمة على قوى التحالف التي أستحالت -في نظر هذا القطاع- من جيش تحرير إلى قوات احتلال!
إن تمزُّق نسيج العلاقة بين “الشرعية” و “التحالف” لا يخدم سوى القوى التي انقلبت على الدولة وشرعية الحكم في 21 سبتمبر 2014 والتي أعلنت قيادة التحالف العربي عملية “عاصفة الحزم” ضدها في 26 مارس 2015.. وبالتالي لا يمكن لأهداف هذا التحالف أن تتحقق، مثلما لا يمكن لهذه الشرعية أو تلك الدولة أن يُستعاد وضعها ، في ظل هكذا حالة شاذة أو مشهد شائه.
وربما جاء المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير النقل اليمني مؤخراً ليؤكد حقيقة ما آلت اليه هذه العلاقة بين الشرعية والتحالف من تدهور مبين.. أو -بلغة أخرى- ليوضح حقيقة الألم الذي باتت تشعر به قيادة الشرعية وحكومة بن دغر جراء ممارسات التحالف -أو جزء منه- تجاهها.
فلا يمكن لعاقل أن ينكر بأن التشكيلات العسكرية والأمنية التي أنشأتها دولة الامارات -على أسس مناطقية- في بعض المناطق الواقعة تحت هيمنتها، قد صارت صخرة عثرة كأداء في طريق استعادة الدولة، وفي البدء: في طريق التعاطي الايجابي مع الشرعية التي يمثلها رمزها السيادي والدستوري الرئيس عبدربه منصور هادي. كما لا يمكن للبيب أن يتعامى عن حقيقة أن الأحداث الدامية التي شهدتها عدن في أواخر يناير الماضي -بين ألوية الحماية الرئاسية الخاضعة لسلطة الرئيس هادي من جهة، وقوات الحزام الأمني التي أسستها وتديرها دولة الامارات عبر قائد قواتها في اليمن- دليل قاسي الملامح على المدى الخطير الذي وصل اليه تدهور العلاقة بين الطرفين.. فقد جرت دماء الأبرياء تحت جسر تلك الأحداث وهي دماء شبيبة يمنية خالصة.. وبما يؤكد أن جسور العلاقة بين الطرفين قد تهالكت قبل أن تنشأ أوتهاوت قبل أن تُشيّد على نحو مبدئي وقانوني وأخلاقي سليم كما كان منشوداً منذ البدء.
وليس المؤتمر الصحافي لوزير النقل، ولا أحداث عدن أواخر يناير ، سوى اشارة بليغة الدلالة على أن أسوأ الخصومات -ولن أقول العداوات- هي تلك التي تنتج عن صداقة عجز أحد أطرافها -أو جميع هذه الأطراف- عن نسجها بصورة سليمة قائمة على مبادىء التكافوء والنديَّة والتقدير المتبادل، من دون طغيان كفَّة طرف على آخر في مضمار المصالح أو المنافع أو النوايا.. أما حين تعجز أطراف هذه العلاقة عن اقامتها على أسس صحيحة، خالية من سوء الادارة أو سوء الأدوات أو سوء الطويَّة، فان ذلك سيقود بالضرورة إلى انسداد الآفاق وبالتالي انفجار الأوضاع في مشهد تلك العلاقة.
ويبقى الأمل معقوداً في اصلاح ما أعوجّ في مسار العلاقة بين الشرعية والتحالف.. أما عدا ذلك، فعلى الشيطان أن يُمدّد ساقيه على البساط اليمني أكثر مما هما ممدودتان أصلاً منذ زمن ليس بالقصير!
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى