(تلفزيون ألماني) تدخل روسي ناعم في اليمن يقطف بوتين ثماره بالغوطة الشرقية
تعليقاً على عرقلة روسيا مشروع قرار بمجلس الأمن يدين فيه إيران لتسليح الحوثيين في اليمن يمن مونيتور/ صنعاء/ متابعة خاصة:
قال تلفزيون “دوتشيه فيله” الألماني، إن تمهيد روسيا لاستخدام حق الفيتو ضد مشروع قرار أممي يُدين التدخل الإيراني في اليمن لم يكن مفاجئاً، إذ أن موسكو تحاول أن تضغط على كبار خضومها من أجل التنازل عن الحملة العسكرية الوحشية في الغوطة الشرقية بسوريا.
وأشار إلى أنَّ إجهاض روسيا للمشروع الذي تقدمت به أمريكا وبريطانيا وفرنسا في مجلس الأمن، حول انتقاد وصول أسلحة إيرانية للحوثيين في اليمن، يؤكد أن روسيا أضحت فاعلا رئيسياً في نزاعات الشرق الأوسط، وأنه لم يعد ممكناً تجاهل رؤية فلاديمير بوتين لمستقبل منطقة شديدة الحساسيات.
وتابع: موسكو التي تتمسك داخل مجلس الأمن بمشروع قرار يتوقف عند تمديد حظر تسليح الحوثيين لعام واحد دون أيّ ذكر لإيران، تريد قتل الجهود الأمريكية الرامية إلى إدانة أكبر لإيران في أدوارها الإقليمية، حتى تغلق الباب أمام ترامب الراغب بالحصول على مبرّرات أكبر لتعديل الاتفاق النووي مع طهران أو حتى الانسحاب منه. ولا تعبأ موسكو في هذا الصدد بتقارير لخبراء في الأمم المتحدة أشارت إلى تقاعس إيران عن منع وصول أسلحة إلى الحوثيين، علماً أن بعض الخبراء العسكريين شكّكوا سابقا في إمكانية وصول أسلحة إيرانية إلى اليمن، نتيجة المراقبة المشدّدة على كل الممرّات التي يمكن أن تجمع الدولتين.
أوضاع صعبة في اليمن
يثير الموقف الروسي عدة أسئلة حول استراتيجية بوتين في اليمن، فليس جديداً وقوف روسيا إلى جانب إيران في وجه الاتهامات الموجهة لها بتسليح الحوثيين، إذ سبق للمندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبنزيا، أن صرّح بعدم وجود مبرّر يدفع بالأمم المتحدة للتحرك ضد إيران في الموضوع اليمني، ردا منه على الموقف الأمريكي بكون الصواريخ التي يطلقها الحوثويون في اتجاه السعودية قادمة من إيران.
الرقص على حبل الحياد
تؤكد روسيا، على الصعيد الرسمي، أنها تدعم جهود الأمم المتحدة في اليمن لأجل تحقيق التسوية السياسية وإنهاء الحرب. آخر من عبّر عن هذا الموقف هو السفير الروسي باليمن، فلاديمير ديديوشكين، خلال لقائه بمسؤول عن حكومة هادي في الرياض. وكالة سبأ، في نسختها التابعة لحكومة عدن، قالت إن المسؤول الروسي جدّد دعمه لحكومة هادي، لكن تصريحات سابقة لوزارة الخارجية الروسية، نقلتها وكالة تاس، كانت تتوقف عند الدعوة إلى حلّ النزاع المسلح بشكل يراعي كافة الأطراف السياسية الرئيسية داخل اليمن، وهو ما يستشف منه أن موسكو تحاول الوقوف بمنطق الحياد بين الحوثيين وحكومة هادي.
محاولة موسكو الحفاظ على التوازن يظهر من خلال حفاظها على بعثتها الديبلوماسية في صنعاء، رغم سيطرة الحوثيين على المدينة، عكس غالبية السفارات الغربية التي غادرت صنعاء منذ ثلاث سنوات، وهو أمر دفع بعدة مراقبين إلى الحديث عن انحياز روسي للحوثيين. لكن روسيا سحبت بعثتها مؤخراً بعد مقتل علي عبد الله صالح نهاية عام 2017، وهو تطوّر يمكن أن يعود إلى تدهور الحالة الأمنية في العاصمة، خاصة إثر الاشتباكات التي وقعت بين قوات صالح والحوثيين بعد انهيار التحالف الذي كان يجمعهم.
مقاتلون حوثيون
يحاول كلّ طرف في اليمن استمالة روسيا إلى جانبه، فقد أرسل عبد ربه منصور هادي، رسالة إلى بوتين، نهاية يناير/كانون الثاني 2018، يشيد فيها بموقف الكرملين “المؤيد للسلطات الشرعية في اليمن”. وقبل رسالة منصور، وتحديدا لما كان صالح على قيد الحياة، أرسل هذا الأخير بدوره رسالة لبوتين يطلب منه فيها الضغط على مجلس الأمن لإيقاف هجمات دول التحالف العربي على اليمن وفتح الحصار.
يقول ماجد المذحجي، وهو كاتب وباحث من اليمن، ومدير مركز صنعاء للدراسات في حديث ل DW إن مقاربة روسيا في اليمن جد حذرة، فليس هناك من خيار أمام موسكو غير الاعتراف بحكومة هادي، حتى لا تظهر متناقضة مع دفاعها المستمر عمّا تراه شرعية لنظام بشار الأسد، لكنها، وعكس بقية القوى الكبرى، تبحث عن حلٍ سياسي يشرك الحوثيين في السلطة، إذ لا تريد أن يبقى مجال الحكم محصوراً أمام هادي منصور المحسوب على خصومها.
جدار روسي أمام السعودية والولايات المتحدة
رغم أنها لم تعارضه بقوة كما فعلت مع الجهود الغربية الرامية للإطاحة ببشار الأسد، إلّا أن موسكو لم تتخذ كذلك موقفا مسانداً للتحالف العسكري الذي تقوده السعوديين في اليمن، فقد سبق لها أن طالبت، على لسان سفيرها بمجلس الأمن، فيتالي تشوركين، في أكتوبر/تشرين الأول 2016، بفرض حظر جوي في اليمن، مشابه لمشروع قرار أممي مماثل بشأن سوريا سبق لروسيا أن أجهضته.
برّر المسؤول الروسي هذا الطلب بسقوط ضحايا مدنيين في اليمن جرّاء قصف قوات التحالف، وقبل هذا الموقف، رفضت روسيا خططا سعودية لاقتحام ميناء الحديدة، وقالت إن التكلفة الإنسانية لهذا الاقتحام ستكون خطيرة. هذه المواقف لم تعجب الرياض التي كانت تبحث عن دعم القوى الكبرى لها في حربها ضد الحوثيين، لكن على الأقل استطاعت الرياض أن تحصل في وقت لاحق على تنديد روسي ضد إطلاق الصواريخ الحوثية على اليمن، خلال اتصال هاتفي أجراه الملك سلمان بفلاديمير بوتين.
و لعل الصدفة لعبت دوراً في أن يأتي مشروع القانون الذي يندّد بتدخل إيران في اليمن، متزامناً مع استمرار عملية النظام السوري على الغوطة الشرقية بمباركة روسية واضحة. هذه المصادفة تحاول موسكو أن تستغلها بقوة حسب تعبير ماجد المذحجي: “تريد روسيا إضعاف المبادرات الدولية في سوريا ووجدت في الملف اليمني فرصة قوية للضغط على القوى الكبرى المناوئة لها في سوريا”.
ومن الضروري الإشارة إلى أن اليمن باتَ مساحة نشطة للمصالح الدولية خلال السنوات الأخيرة، فهناك عدة قوى دولية أضحت حاضرة بقوة في تدبير الأزمة المحلية. استغلال هذا الملف من لدن بوتين لأجل خدمة مصالحه في سوريا يعطي فكرة عن الاستراتيجية الروسية في المنطقة، فموسكو لا ترغب، وفق ما يؤكده المدحجي، بالتخلّف عن الحضور في اليمن، لكنها في الوقت نفسه، لا ترى في البلد ذاته سوى ملف وسيطٍ لخدمة ملف أكبر، موجود على الأراضي السورية.
التحالف الإيراني الروسي رهن بالمصالح المشتركة فقط
مقارنة بسوريا، يظهر اليمن مساحة أقلّ تأثيرا لإيران وروسيا. فبالنسبة لطهران، ورغم صعوبة تجاهل وجود علاقة بينها وبين الحوثيين، إلّا أن هناك اختلافات جوهرية تشكّك في إمكانية قيام حلف قوي بينهما. يوّضح تقرير لميساء شجاع الدين بموقع OpenDemocracy أن الطرفين يتباينان من الناحية المذهبية رغم انتمائهما إلى الطائفة الشيعية، وأن الحوثيين لا يسعون إلى أيّ دور إقليمي ويرغبون بحكم فردي لليمن، بينما لا ترى طهران في اليمن سوى ساحة يمكن أن تشكّل جبهة استنزاف للسعودية بكلفة منخفضة.
في المقابل، حافظت روسيا، قبل سقوط نظام علي عبد الله صالح، على علاقات قوية باليمن، سواء خلال فترة التقسيم أو فترة الوحدة. وتشير عدة تقارير أن موسكو حظيت بصفقات اقتصادية كبيرة من اليمن جعلتها تستفيد من موقعه الاستراتيجي، كما كانت المموّل الأساسي للبلد في مجال التسلّح، لذلك، ليس مستبعداً أن يكون الحوثيون قد استولوا على أسلحة روسية الصنع. وقد أكد هذا المعطى سابقاً الخبير العسكري العراقي، اللواء المتقاعد ماجد القيسي، عندما صرّح لـDW أن الحوثيين ورثوا صواريخ سوفيتية الصنع من الجيش اليمني السابق.
بيدَ أن إسقاط التحالف ذاته بين روسيا وإيران في سوريا على الحالة اليمنية يبقى أمراً صعباً، خاصة وأن القوتين حريصتان على تفادي توّرط ميداني في الساحة اليمنية، وفي هذا السياق يشير ماجد المذحجي الى أنّ روسيا تستعمل الورقة اليمنية لتدبير علاقتها مع طهران والرياض، إذ تصّعد من لهجتها ضد التحالف العربي للضغط على السعوديين، وبعد ذلك تخفّض سقف اتفاقاتها مع طهران بحثا عن صفقة معيّنة مع الرياض. ويشير المحلل اليمني في هذا السياق الى أنّ روسيا تحاول استغلال القوتين الإسلاميتين المتصارعتين إقليميا حتى تجعل من نفسها طرفا أساسيا في حلّ الأزمة اليمنية بمبادرة سياسية وليست عسكرية.