ستبقى عصية على الإرهاب بكل أدواته، وسيأتي من يقدر أهمية هذه المدينة وستعود عدن كما كانت وأعظم، ولن يبقى فيها غير الخير والأخيار والحب والتسامح، والبحر والجبل شاهدا على ما حدث ويحدث وسيحدث.
عدن الرابضة في حضن جبل شمسان، والبحر متنفس، فالجبل والبحر هما عدن، في طفولتنا نزهتنا المفضلة تسلق قمم هذا الجبل، في ابتدائية المعلى (مدرسة حمزة اليوم) ومديرها المرحوم الأستاذ القدير منصور حازم، طيب الله ثراه، علم من أعلام عدن والمعلى، حين تغيم السماء وتحجب السحب أشعة الشمس لتسقط رذاذ مطرها لتلطف الجو.
يهم الطاقم المدرسي للتنفيس على الطلاب، برحلة جبلية لسفوح وكهوف وأخاديد ووديان جبل شمسان الراسي فوق رؤوسنا بعظمته وشموخه، رحلة شاقة رياضية ترفيهية واستطلاعية لنتعرف على البرك السبع والحصون والقلاع الأثرية، في أبدع تنظيم بطوابير دون إصابات تذكر.
والبحر متنفس للعائلات والرحلات المدرسية من كل مدن وقرى اليمن وزوار المعمورة من دول الجوار، في عدن أجمل السواحل برمالها الذهبية، وكلما ضاقت بك الدنيا في عدن ملجأك البحر لتناغم هدير أمواجه وتداعب رماله، كل أبناء عدن تربطهم علاقة حميمة ببحرها، منذ طفولتهم حتى شيبتهم، وللصيد حكايات وحكايات الجلب والشبك والغوص، هذه هي عدن.
لم يرتبط البحر يوما في عدن بالعنف والسلاح والمعسكرات أبدا إلا في هذه الأيام الرديئة، الذي تحولت فيها المتنزهات والمنتجعات والمتنفسات لمعسكرات ومعتقلات.
بحت أصواتنا في عدن منذ زمن ونحن نطالب بإخراج المعسكرات من عدن، للضواحي لتبقى عدن آمنة مطمئنة من العنف، وكلما طالبنا كلما حاصرتنا المعسكرات أكثر وأكثر، حتى تحولت عدن لثكنة عسكرية، ومناطق عسكرية متعددة الولاء، اليوم عدن ببحرها وجبالها وطرقاتها تحت سطوت المعسكرات، من معاشيق وأبو الوادي لحقات لصيرة لجولدمور، تضييق عدن على أبنائها، وتختنق؛ البحر هو الرئة التي تتنفس منها عدن.
رغم كل ذلك، لم يستسلم أبناؤها للخوف والرعب من هذه الثكنات العسكرية والإرهاب البغيض، تجدهم في السواحل، ويركبون البحر للاصطياد والتنزه والعوم، مجتازين النقاط العسكرية المحكمة متجهين لوجهتهم البحرية لسواحلهم المدججة بالسلاح والجنود والحراسات، حراسات لا تحرسهم ولا تهتم لهم، حراسات تحرس أصنامها وولائها وشخصياتها، وإن حدث كما حدث في جولدمور من عملية إرهابية بشعة مدانة لا إنسانية، يسقط كل ذلك السياج الأمني وكل تلك النقاط المرعبة، ليخترقها الإرهابيون مقتحمين حياة المواطنين الأبرياء في الساحل.
نسمع تصريح مبتهل بالنصر لمسئول أن الجنود بخير والمعسكر لم يتضرروا، سوى البوابة وما حول البوابة وهو الساحل ورواده من المواطنين، المهم في الأمر حماية المعسكر وقلاعه والجنود، والمواطنين ضريبة هذه الحماية، ابتهل هذا المسئول منتصراً لم يقتل جندي وأفشلنا اقتحام المعسكر دون أن يترحم على الطفل وأمه والضحايا الأبرياء من المدنيين، والرعب والخوف الذي سببته العملية للأسر ورواد الساحل، وما زالت عدن مهددة.
رحمك الله أستاذي منصور حازم، وكل تربويين مدارس عدن وروادها وشعرائها ومطربيها وفنانيها، وتاريخها وإرثها وثقافتها وحضارتها المدنية. رحمة ومغفرة للجميع، أن متنا جميعا لن تموت عدن، ستبقى عصية على الإرهاب بكل أدواته، وسيأتي من يقدر أهمية هذه المدينة وستعود عدن كما كانت وأعظم، ولن يبقى فيها غير الخير والأخيار والحب والتسامح، والبحر والجبل شاهدا على ما حدث ويحدث وسيحدث.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.