وتعاني اليمن من ظاهرة نهب وتبديد وتهريب الآثار، منذ زمن بعيد يقول الخبر المنشور في صحف ومواقع اليكترونية، الأسبوع الماضي، إن مجموعة من شبيبة عدن تصدَّت لعصابة من اللصوص والبلاطجة في المدينة -خلال الحرب في صيف العام 2015- اثر قيامها بنهب عدد من القطع الأثرية كانت مودعة في متاحف المدينة، وتمكنت من استعادة 129 قطعة أثرية قامت بتسليمها مؤخراً الى المؤسسات المختصة.
وخلال الحرب -التي لا زالت مندلعة في أجزاء من البلاد- نُهبت متاحف ومواقع أثرية بأكملها. ولم يُحصر حجم هذه الأضرار أو تُقدَّر قيمتها التاريخية النفيسة ولو بصورة تقريبية حتى هذه اللحظة.
وتعاني اليمن من ظاهرة نهب وتبديد وتهريب الآثار، منذ زمن بعيد. لكن هذه الظاهرة تنشط ويتسع نطاقها في فترات الحروب والقلاقل التي تضعف فيها -أو تنعدم- سطوة الدولة وفاعلية المؤسسات المختصة والأجهزة المعنية. وهو المشهد الذي عاشته دول أخرى في ظروف مشابهة، كالعراق ومصر وايران، والتي لا زالت أجهزتها الرسمية تُطارد ناهبي ومُهرّبي آثارها حتى هذه اللحظة في الولايات المتحدة ودول أوروبية عديدة، عبر اليونيسكو والأنتربول.
غير أنه مما يُؤسف له كثيراً أن نهب وتهريب الآثار في هذا البلد لم يعد تجارة محدودة النطاق والأطراف، بعد أن دخل الى مضمارها -ومن أوسع الأبواب- نافذون كبار في جهاز الدولة ومؤسساتها السيادية: السياسية والعسكرية والأمنية، فصدق المثل العاميّ الشهير “حاميها حراميها”!
وقد كشفت الحرب الأخيرة عدداً من الوقائع التي أزدحمت بالعديد من الأسماء والتفاصيل الباعثة على القلق الشديد مما يحدث لثروتنا التاريخية من تجريف كاسح وتصريف غاشم.
وفي زاوية أخرى من المشهد، تشهد مدينة صنعاء التاريخية وعدد من المدن والقرى اليمنية القديمة، منذ فترة طويلة، حالة هيستيرية أصابت الأهالي بالبحث المهووس عن كنوز قديمة محتملة في مواقع أثرية وتحت مبانٍ يعود تاريخها الى مئات السنين، حيث يتم حفر أنفاق تحت هذه المواقع والمباني بحثاً عن تلك الكنوز. وقد ظهرت هذه الهيستيريا اثر تهدُّم مبانٍ قديمة واعادة حفر أساساتها بغرض تشييد مبانٍ جديدة على أنقاضها، فظهرت بمحض الصدفة كنوز نفيسة جنى أصحابها ثروات ضخمة من بيعها لتجار الآثار الذين اعتادوا التعامل مع شخصيات وجهات تقيم خارج البلاد وتتعاطى تجارة الآثار اليمنية منذ زمن بعيد.
وقد نشرت الصحافة اليمنية، في وقت سابق، معلومات عن ظهور مجموعة من الكنوز القديمة في أحد المواقع الأثرية بمحافظة المحويت.. ومثلها في مدن ومناطق يمنية أخرى.. ولم يُعرف المصير الذي آلت اليه هذه الكنوز ، برغم ورود أخبار عن تقاسمها من قبل أطراف نافذة في البلاد، وبضمنها عدد من أمراء الحرب الذين ظهروا كفئة جديدة في الحرب الأخيرة وأثروا ثراءً فاحشاً من الاتجار غير المشروع في الوقود والغذاء والدواء والعقار والآثار.
غير أن مصير المواقع الأثرية في البلاد لم ينحصر في نهبها وتهريب محتوياتها، بل شهدت هذه المواقع تجريفاً من شاكلة العبث بها وتدمير بيئتها من خلال البناء عليها، مثلما يحدث في الوقت الحالي في صهاريج عدن التاريخية.
والمريب -بل المخيف- أن تجارة الآثار لم تعد تحتجب تحت ستار السريَّة، خوفاً من الوقوع تحت طائلة القانون الذي يُجرِّمها بصريح النص، انما غدت تُزاوَل جهاراً نهاراً، دون خشية من رقيب أو رادع، بل أن الأمر بلغ حدَّ العلانية، اذْ صارت الآثار تُعرض تحت الشمس في الدكاكين، حتى أن ثمة منافذ بيع وشراء للآثار صارت معروفة للقاصي والداني عبر صفحات ومجموعات منتشرة في وسائط التواصل الاجتماعي وغيرها من أشكال الميديا.
إن هذه الجريمة يجب أن توضع في المنظومة التشريعية- في مصاف الخيانة العظمى لفداحة ما تقترفه من أضرار بالغة الجسامة بحق الدولة والمجتمع والأجيال الممتدة بلا نهاية.. فحضارة البلد وتاريخه وتراثه تتجاوز صفة الملكية العامة إلى الملكية الشعبية، فهي ليست منوطة بحكومات ومؤسسات رسمية وإنما بمجموع الشعب على هذه الأرض منذ الأزل وإلى الأبد.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.