مثلت ثورة فبراير المجيدة عودة ميلاد وطن الحرية والكرامة، عندما قرر الشعب مناهضة الاستبداد والفساد، والانعتاق من كل الأفكار الكهنوتية والرجعية والاستبدادية.
نحتفل مع كل شعبنا اليمني، بالعيد الوطني السابع للثورة الشبابية الشعبية السلمية 11فبراير 2011م، هذه اليوم العظيم الذي انتصر فيه الشعب، للثورة والجمهورية ومشروع الدولة.. للحريّة والكرامة .. للبناء والتنمية .. للتصالح والتسامح .. لحاضر مستقر ومستقبل مزدهر.
لقد مثلت ثورة فبراير المجيدة عودة ميلاد وطن الحرية والكرامة، عندما قرر الشعب مناهضة الاستبداد والفساد، والانعتاق من كل الأفكار الكهنوتية والرجعية والاستبدادية.
وفي سبيل بناء ونهضة وتنمية الوطن قدم الشباب جل التضحيات وجادوا بأرواحهم الغالية، لم تثنهم آلة القمع والموت التي أدمت صدورهم العارية وجرحت أجسادهم الطاهرة.. لكنها انكسرت امام كبريائهم وعزيمتهم وإصرارهم في استكمال مشوار نضالات آبائهم الأحرار في التصدي لمشاريع الرجعية والكهنوت والاستعمار والاستبداد والفساد..
ففي مثل هذا اليوم الأغر، تعزز هدير الثورة، وتدافعت جموع الشعب بمختلف فئاته إلى ساحات الحرية والتغيير، يحدوهم الأمل في استشراف آفاق مستقبل واعد بالتغيير وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، وإعادة رسم ملامح البناء والحضارة، يستعيد فيه المواطن ثقته الكاملة بالدولة، ويتنفس فيها الحرية والكرامة، ويتساوى فيها المواطنون أمام القانون دون تمييز على أساس النوع أو اللون أو الدين أو الرأي أو المكانة الاجتماعية.
لقد أحدثت هذه الثورة المباركة تحولاً عظيماً وحققت أثراً إيجابياً كبيراً في بنية الوعي والفكر وتعزيز قيمة الفرد وفاعليته في المجتمع، واستنهاض همم الشباب للقيام بدورهم في رسم ملامح عقد اجتماعي جديد، يلبي تطلعات الشعب في نيل حقوقه والتحرر من القيود المكبلة للحريات والإبداع والمعيقة للنهضة والتنمية.
وقد امتازت الثورة اليمنية بسلميتها ومشاركة كل فئات الشعب فيها في مختلف المحافظات، بنهج سلمي حضاري عكس نضج الوعي السياسي والقيم الحضارية لرواد ثورة فبراير ومشروعهم الوطني لبناء اليمن الجديد القائم على العدالة والمساواة والشراكة والحكم الرشيد.
لقد استجاب الوطن لنداء العقل، وآثر مسار السلام والتوافق فكانت المبادرة الخليجية التي تقدم بها الأشقاء في الخليج خارطة طريق للمرحلة الانتقالية، لتجنيب الوطن المزيد من الدماء والدمار، وتم التعاطي الإيجابي مع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة رغم ما أشرنا إليه مراراً بإدراك الشباب لمخططات قوى الفساد، أعداء الجمهورية والحرية والكرامة، وتحذيرهم من محاولات إعادة إنتاج النظام لذاته، عبر إذكاء الفتن والصراعات بين القوى الوطنية، لتنشغل بخلافاتها عن إنجاز التغيير، فتخلو الساحة لمشروع الإمامة البغيض ليستكمل انقلابه على الشرعية والتوافق والدولة في 21 سبتمبر 2014م.
لقد تضمنت المبادرة الخليجية مراحل وخطوات متعددة، منها مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي انطلق في 18 مارس 2013م، والذي اقترن توقيت انطلاقه بذكرى جمعة الكرامة التي ارتكب فيها النظام أبشع مجزرة دموية راح ضحيتها عشرات الشباب الطاهر من خيرة أبناء الوطن.. وأثمر هذا المؤتمر بوثيقة وطنية ضمت ما يزيد عن 1800 مبدأ دستوري وقانوني وتوصيات، وضمانات لتنفيذ مخرجات الحوار، شملت معالجات لكافة القضايا الوطنية، وأسس بناء دولة مدنية ديمقراطية اتحادية حديثه، تتحقق فيها العدالة والمواطنة والعيش الكريم وسيادة النظام والقانون.
ورغم ما تم تحقيقه من إنجازات على صعيد تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، بما فيها استكمال صياغة مسودة دستور اليمن الاتحادي، إلا أن ما أضفاه انقلاب 21 سبتمبر 2014م على المشهد اليمني من قتامة بسبب عرقلته لتنفيذ المخرجات، وإيقاف المسار السياسي، بل ومسيرة الحياة ككل من خلال ما خلفه من انتهاكات وجرائم جسيمة حصدت عشرات الآلاف من الأرواح البريئة الطاهرة وخلفت أعدادا مهولة من الجرحى والمكلومين، والآلاف من المعتقلين، ونهب للمال العام والخاص والدمار الذي أحدثه الانقلاب في مختلف المجالات، أعاد توحيد الصف الوطني في مواجهة هذا المشروع الأمامي الكهنوتي البغيض والتمسك بالمشروع الوطني الجامع الذي تمثلت فيه أهداف الثورة المجيدة.
وتؤكد التضحيات التي يجترحها أبطال الجيش الوطني والمقاومة الشعبية لصد هذا الانقلاب الدموي واستعادة الدولة وبناء اليمن الاتحادي الجديد، حرص الشعب على نجاح مشروعه الوطني وثورته المباركة، وبناء دولته الاتحادية.
تستمر الثورة اليمنية في تحقيق أهدافها كاملة لأنها ثورة شعبية شاملة لا تتوقف أو تتأثر بتخاذل بعض أنصارها، أو طعنات أعدائها، فإرادة الشعوب وحدها تدوم وتنتصر، وشواهد التاريخ الوطني المؤيدة لهذه الحقيقة كثيرة، فنجاح رواد الحركة الوطنية في الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر وتغلبهم على ظلم وجبروت الاستعمار والإمامة، إنما كان لإيمانهم بمشروعهم الوطني وإخلاصهم لذلك، وقوة سلاح الإرادة التي لم تسمح لليأس والخنوع أن يسكن قلوبهم، لذلك هانت في نفوسهم التضحيات والصعوبات مهما كانت شدتها، واستمر النضال لتحقيق هدفٍ وطنيٍ سامٍ يستحق الوصول له أو الموت لأجله، فكان النجاح والنصر والتمكين حليفهم، وفي ذات الدرب استطاع الشرفاء من أبناء الوطن تجاوز سلطة وسطوة وقمع مليشيات انقلاب 21 سبتمبر 2014 التي سيطرت على الدولة بقوة السلاح وأجبرت قيادات الدولة على البقاء تحت حكم الاقامة الاجبارية، ورغم القيود والإجراءات التعسفية فقد استعادت الدولة عافيتها، وتوحدت الجهود، وتشكلت الحكومة الشرعية، واستطاعت المؤسسة العسكرية والأمنية ترتيب صفوفها، وتم تحرير المساحة الجغرافية الأغلب من قبضة المليشيات، وأضحى الانقلاب محصوراً في نطاق جغرافي ضيق مخنوقاً بتذمر شعبي واستياء عام لسوء الممارسات الاجرامية والارهابية التي تمارسها المليشيات من قتل وتشريد واعتقال وتعسف ونهب للمال العام والخاص وتدمير لمؤسسات الدولة، ومحاولة فرص أفكارهم الرجعية المقيتة بقوة السلاح.
ختاماً .. فإن الوطن وهو قاب قوسين أو أدنى من صد وهزيمة وردع الانقلاب واستعادة الدولة، فإن النصر يجب أن يكون طريقاً نسلكه وليس نهاية نبتغيها، فثورة البناء والتنمية هي المقياس الحقيقي لمدى نجاح مشروعنا الوطني لبناء الدولة المدنية الاتحادية الحديثة.. واستمرار الثورة بالوسائل الأكثر نجاحا وفاعلية في تحقيق أهدافها والتي تتلاءم مع طبيعة وظروف كل مرحلة وطنية.
* وزير الدولة لشئون تنفيذ مخرجات الحوار الوطني
**نقلاً عن صحيفة (14 اكتوبر) الحكومية.