محمد مرشد ناجي.. أغنية لوطن ليس من ورق
تحلّ ذكرى رحيله الخامسة اليوم
يمن مونيتور / العربي الجديد
لا يُذكر اسم المطرب والملحن اليمني محمد مرشد ناجي (1929 – 2013) الذي تحلّ ذكرى رحيله الخامسة اليوم، إلا ويستعاد دوره في توثيق الأغنية اليمنية في قوالب حديثة، وفي التزامه بوطن أكبر من الزعماء والقادة يظلّ الجميع بظلّه خارج منطق التقسيم والمحاصصات.
ولد “المرشدي” أو “الشيخ” كما لقّبه مريدوه، في السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر في بلدة الشيخ ثمان بالقرب من مدينة عدن، ولم يواصل تعليمه المدرسي لكنه حفظ القرآن في سن مبكرة في الكتاتيب والتحق بـ”المدرسة التبشرية” (البادري) حيث تعلّم اللغة الإنكليزية.
انضمّ إلى “الندوة الموسيقية العدنية” التي تاّسّست عام 1949، وهناك عرف معنى أن تقاوم بالأغنية فقدّم العديد من الأغاني الوطنية التي تؤيد الثورة ضد الاستعمار البريطاني، ومنها: “قايد الجيش البريطاني”، و”هنا ردفان” و”يا طير يا رمادي”.
عُرف جماهيرياً منذ أن سجّل أولى أغانيه في إذاعة عدن عام 1955، وبدا أن صاحب “هجرت وأبعدتني” يمتلك رؤيته الخاصة للتراث الموسيقي في بلاده، ليس لاتقانه كلّ أنواع الغناء اليمني؛ الصنعاني والتهامي واللحجي والحضرمي واليافعي وله تنظيراته الخاصة في تصنيفها، بل لأنه كان يميّز تماماً الفارق بين الفلكلور والتراث.
يلخّص ناجي تلك الرؤية في إحدى مقابلاته حين يشير إلى أن ملايين الأغاني الشعبية التي يعرفها اليمنيون هي مجرد “خربشات”، لأنها لم تؤدّ على آلة بعينها وأن ما يؤصّلها كتراث هو إعادة إنتاج ألحانها وتوثيقها لا أن تبقى مجرّد فلكلور يُنقل شفاهة من دون تقعيد واحتراف.
المرشدي الذي كان لا يعيد سماع أي من ألحانه بعد إصداره متفرّغاً لتقديم غيره، وضع العديد من المؤلّفات التي تحمل تنظيره حول مؤثرات الأغنية اليمنية وتطويرها؛ من بينها: “أغانينا الشعبية”، و”الغناء اليمني ومشاهيره”، و”صفحات من الذكريات”، و”أغنيات وحكايات”.
رغم ارتباط صاحب “أراك طروباً” بالأفكار الثورية التي اجتمع عليها “الرفاق” في حكم اليمن الجنوبي، إلا أنه رفض أن يؤدّي أغنية واحدة تمجّد أياً من القادة الذين حكموا عدن، بل إنه لم يتخل عن موقفه المختلف معهم وهو الذي كان عضواً في مجلس النواب، كما حصل حين رُفضت أغنيته “نشوان” عام 1977، على إثر تحشيد القوات بين اليمنيْن (الشمالي والجنوبي)، وتقول كلماتها: “نشوان أنا فريسة المصالح، ضحية الطبال والقوارح، من يوم خلق سيف الحسن وراجح، وأنا وحيد في قريتي أشارح”.
لم يتغيّر الحال بعد إعلان دولة الوحدة في اليمن، وهو الذي انتخب نائباً في برلمانها وشغل منصب رئاسة “اتحاد الفنانين”، وبقي لا يطرب لصوت نشاز في الفن أو في السياسة ولا يُطرب أحداً لمصلحة أو غاية شخصية حتى دخوله عزلته الأخيرة عام 2011.
يُستذكر المرشدي اليوم وأشقاؤه يتقاتلون على الجبهات، وربما كانون يسمعون الآن أغنيته التي كتبها الشاعر المصري الراحل أحمد فؤاد نجم، وتقول كلماتها: “ورقْ ورقْ يا وطن على الورقْ/ الحلم فيك على الورق/ والعلم فيك على الورقْ/ خدعني فيك صوت الورقْ/ وسافرت فيك على الورقْ/ وحلمت فيك برَّه الورقْ/ بستان ظليلْ وقُلّه للعطشان سبيلْ وقالوا حلمك مستحيلْ/ حتى لو كان على الورق/ مقهورْ وماشي في الورقْ غرقانْ عَرَقْ/ حلميْ انسرقْ حامل على قلبي الهوى من غير دوا إلا الورقْ”.