حقوقيون: تجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاعات المسلحة جريمة حرب يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص
لم يكن يدرك الطفل اليمني محبوب قراضة (14 عاماً)، أن تحمسه ذو الطابع القبلي في الحصول على قطعة سلاح سيؤدي به في نهاية المطاف إلى محرقة الموت؛ يغادر محبوب مع أطفال آخرين برفقة أحد مشرفي جماعة الحوثي المسلحة منازلهم تاركين وراءهم الكتب والحقائب المدرسية، وعائلات أضناها السهر والتعب.
يروي “محبوب” رحلة تجنيده مع الحوثيين، وكيف غسلت الجماعة عقله، وآخرين غيره، لحظة الإستقطاب بالحديث عن الجهاد والبطولات التي تقوم بها وعن أسر الإسرائليين والأمريكيين في جبهات القتال، إلى أن يصل الحماس ذروته، والانخراط بعده في القتال، وما إن يصلوا إلى هذه المعارك حتى تتضح لهم الحقيقة، وتظهر لهم الصورة وهم يواجهون الموت دون أن يروا بجوارهم الذين غرروا بهم ودفعوا بهم إلى محارق الموت.
يؤكد “محبوب” أنه تلقى دورات عسكرية من قبل مسلحي الجماعة، تضمنت التدريب على سلاح الكلاشنكوف والشيكي والآر بي جي (أسلحة خفيفة إلى متوسطة)، وبعد الإنتهاء من التدريب تم الزج به إلى جبهة البقع (شمال شرق اليمن)، أو كما سماها “جبهة نجران”.
يواصل حديثه لـ (يمن مونيتور): “يدفع المشرفون الحوثيون بصغار السن إلى الجبهات ويتركونهم في الواجهة ثم يغادرون.. تنتهي هناك قصص البطولات التي تلهب المشاعر ولا نجد سوى لهيب النار وأزيز الرصاص”.
حديث الطفل محبوب قراضة، يلفت الإنتباه أيضاً، إلى تصوير جماعة الحوثيين الجيش الوطني والمقاومة الشعبية على أنهم أمريكيين ودواعش يقطعون الرأس ولا يتركون أحداً للعيش، وهو أحد الشائعات التي يرددها الحوثيون، حتى لا يدعوا فرصة لأحد سوى الذهاب إلى الموت قسراً.
اليوم، وبعد تلقي محبوب العناية الكاملة والتأهيل النفسي من قبل القوات الحكومية اليمنية والتحالف العربي، يتحدث عن رغبته التامة واستعداده للعودة إلى المدرسة، بعد أن خاض تجربة قاسية ومُرّة.
صدمة الأهالي
الحديث عن محبوب لم يتكمل بعد، فمحاولة الحوثيين التخلص من عشرات المجندين لديها وكذلك الجرحى دون أن تكترث لذلك، تدفع بنا إلى البحث عن تفاصيل أكثر عمقاً حول الموضوع، يقول محبوب إن تواصله مع أسرته كان بمثابة “الصدمة” بعد أن أبلغتهم جماعة الحوثي بمقتله في الجبهة مطلع العام الجاري 2018م، لتقيم بعد ذلك أسرته مراسيم العزاء لطفل ما تزال روحه تضجُّ بالحياة.
يحمد الله محبوب أنه ما يزال على قيد الحياة، ويستطرد بالحديث عن تعرضه للإصابة أثناء المواجهات ووقوعه أسيراً بيد قوات الشرعية، وهناك تلقى العلاج والرعاية اللازمة والتعامل الإنساني في السعودية، التي سلمتهم، فيما بعد، للحكومة الشرعية في محافظة مأرب، وصولاً إلى تسليمهم لأسرهم وذويهم.
تعزز رواية أسرة محبوب، شهادة إحدى الأمهات على هامش فعالية “الطفولة.. بين رعب المليشيا وغياب دورالمنظمات” والتي أقيمت مؤخراً في مأرب خلال تسليم السلطات المحلية بالمحافظة 27 طفلاً زجت بهم جماعة الحوثي في معاركها الطائفية مع القوات الحكومية والتحالف العربي المساند لها.
تقول الأم “أمينة” خلال الفعالية، إنها أمضت عدة أشهر تبحث عن جثة ولدها لتكحل عينها بإلقاء النظرة الأخيرة على جثمانه، مشيرة إلى أنها قدمت مبلغ 400 ألف ريال في سبيل الحصول عليه، لكنها اليوم وبعد وصول نبأ العثور على ولدها وهو ما يزال على قيد الحياة في مأرب قد ولدت ابنها من جديد، حد تعبيرها.
البحث عن “الجثة الحية”
حالات مشابهة لما سبق الحديث عنها، أحد جرحى الحوثيين رفض التقاط صوراً له، معزياً السبب خوفه من تعرض أسرته وأقرباءه في مناطق سيطرة الحوثيين للتنكيل وما وصفها بـ”البهذلة”.
كانت والدته قد وصلت محافظة مأرب بعد أن تقدمت قبل ذلك بطلب إلى السلطات المحلية بالمحافظة بشأن رغبتها في الحضور لتسلم ابنها، وهناك التقى بوالدته. كان قلقاً وخائفاً من توثيق تلك اللحظة (لحظة لقائه بوالدته)، إلا أن الأم تحدثت بكل شجاعة بعد دقائق من لقائها بولدها قائلة “الأهم أنني وجدت ولدي”.
تقول الأم إن “الحوثيين أبلغوها بمقتل ولدها، دون أن يخبروها بأي تفاصيل أخرى، أو أن ترى جثته، وبعد إلحاح شديد منها أكدوا لها مقتله في جبهة صرواح شرقي مأرب، والحقيقة هي أنه في يناير مطلع العام الجاري 2018م وقع ابنها اسيراً وجريحاً بيد القوات الحكومية، حيث لا يزال يتلقى العلاج في أحد مستشفيات مأرب على نفقة الحكومة الشرعية.
تجنيد الأطفال.. جريمة حرب
من جهته، أكد “عبدالله الموساي”، رئيس منظمة “شاهد” الحقوقية أن على المنظمات المحلية والدولية مسئولية قانونية وأخلاقية لإيقاف الانتهاكات بحق الطفولة، محذراً الأهالي والجماعات المسلحة من الزج بالأطفال في المعارك.
وقال “الموساي” خلال الفعالية، إن تجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاعات المسلحة جريمة يعاقب عليها القانون الدولي والإنساني كما أن المادة (48) من دستور الجمهورية اليمنية تنص على عدم تجنيد الأطفال، لافتاً إلى أن قانون الطفل نص على حقوق الأطفال في الحياة والتعليم والصحة.. إلخ.
وأشار إلى أن الاتفاقيات الدولية التي أنشئت بموجبها مؤسسات الأمم المتحدة، وقانون حقوق الإنسان العالمي، تحرم تجنيد الأطفال وتعتبرها جريمة حرب.
تسليم حكومي وتجنيد حوثي
والخميس الماضي، سلمت السلطات المحلية بمحافظة مأرب (27) طفلاً إلى أهاليهم، بعد أسرهم في جبهات القتال أثناء مشاركتهم بالقتال في صفوف الحوثيين، وذلك بعد أن (خضعوا) لبرنامج تدريبي وتوعوي مكثف لإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع بالتنسيق مع منظمات حقوقية محلية.
وأقامت سلطات مأرب فعالية لتسليم الأطفال إلى أهاليهم، بعد أيام من تسلمهم من قبل قوات التحالف العربي الذي تقودة السعودية في اليمن.
وعلى الجهة الأخرى، كشف خطاب متلفز لزعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي (الجمعة) حقيقة حملة التجنيد الإجبارية التي تقودها جماعته قائلاً: إن “وزارة الدفاع (وزارة حكومية تخضع للجماعة)، تتحرك بشكل كبير في كل المحافظات لحملة التجنيد كي لا يكون الضغط على مكان واحد”.
ووجه جماعته بترك عائل الأسرة الوحيد “نؤكد على الأخوة في الجانب العسكري أن يمنعوا وحيد العائلة من الذهاب إلى الجبهات”.
وتتهم المنظمات الدولية جماعة الحوثي المسلحة في اليمن بتجنيد أطفال لا تتجاوز أعمار بعضهم الخامسة عشر، للقتال في الجبهات ضد الشرعية والتحالف العربي.
ومنذ أواخر سبتمبر/ أيلول 2014، اجتاحت جماعة الحوثي المسلحة العاصمة صنعاء وبعض المدن اليمنية بقوة السلاح، وأشعلت حرباً بالتعاون مع قوات توالي الرئيس السابق (قتل على يد الجماعة ذاتها)، طالت أغلب مناطق اليمن وراح ضحيتها آلاف المدنيين والعسكريين، نهايك عن موجات النزوح والأوضاع الانسانية المتردية على الصُعُد كافة.