اكتشف الزعيم السوفياتي الأسبق ليونيد بريجنيف -متأخراً جداً- أنه كان طوال عهده المديد، يقرأ خطاباً مؤلفاً من صفحة واحدة فقط.. لكنها منسوخة بمائة نسخة!
في مطلع الشهر الثامن من العام 2006، حلَّت بالزعيم الكوبي فيدل كاسترو (الراحل أواخر نوفمبر 2016) أزمة صحية شديدة الوطأة، ما دعاه إلى تفويض أخيه راؤول سلطاته كلها بعدها بعام ونصف، ثم تكشَّفت حقيقة اصابة آخر كبار اللاعبين التاريخيين في الساحة السياسية الدولية بمرض عضال سيمنعه من أداء وظيفته بعدها.
ولعلَّ ذلك ما دفع بالرئيس الأمريكي -حينها- جورج واشنطن بوش إلى التعجيل بالدعوة لتشكيل حكومة انتقالية في هافانا، عارضاً دعماً كاملاً لانجاح هذه الخطوة التي اتَّضح جلياً أنها بعيدة المنال.
كانت حياة الزعيم الكوبي -العامة والخاصة على السواء- سلسلة من الأحداث والحوادث الموغلة في الدرامية حدَّ التراجيديا، لاسيما بعد أن تخلَّص من أغلب رفاقه، وتخلَّص عنه أقرب أقاربه! .. كما لم يتعرض زعيم في التاريخ لمحاولات انقلاب واغتيال بتلك الكمية والنوعية التي عرفها فيدل.
وكانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تتفنَّن دائماً في مؤامراتها ضده، غير أن الفشل كان رديفاً لازماً وملازماً لكل تلك المؤامرات. فلا الثياب المسمومة ولا السجائر الملغومة ولا غيرها من الوسائل والأساليب المبتكرة أجدتْ نفعاً البتة.
خارج نطاق الثورة والسياسة، كان كاسترو يعشق السيجار الكوبي الفاخر والنساء الصغيرات الفاتنات.. غير أنه كان يعشق الخطابة والكلام أكثر من أي شيء آخر. وقد كانت خُطَبه تمتد لساعاتٍ طوال في جميع الأحوال.. لكن صاحب ملاحم المونكادا والسييرا مايسترا وخليج الخنازير أدرك يوماً -ولو متأخراً- أن المزاج الشعبي العام (ليس في كوبا وحدها وإنما في جميع بلاد العالم) لم يعد متناغماً مع الموجات الطويلة في الكلام، وبالذات مع خطابات الزعماء والحكام التي ينبغي أن تكون مرسلة على الموجة الشعبية القصيرة.
هذا ما أدركه الزعيم الكوبي، فشعبه لم يعد يطيق الوقوف -أو حتى القعود- لسماع خطابه الاحتفالي السنوي (بمناسبة ذكرى الثورة الكوبية التي أطاحت نظام باتيستا العتيد) لعدة ساعات متواصلة، ما دعاه لاحقاً إلى اختزال المساحة الزمنية لآخر خطاباته من خمس ساعات إلى ساعة واحدة! .. وعلَّق كاسترو على هذا الاجراء الاستثنائي، بل والتاريخي، بقوله: إن وسائل الاعلام العالمية باتت تضع الحقائق كاملةً أمام الكوبيين والعالم أجمع. أي أن خطاباته -في هكذا حال- لن تضيف جديداً أو مفيداً. وربما لهذه القناعة أيضاً، عمد كاسترو -منذ تركه السلطة- إلى كتابة أعمدة صحافية مختزلة في غالب الأحيان.
وبمناسبة الخطابات طويلة التيلة، كان الزعيم السوفياتي الأسبق ليونيد بريجنيف يقف متحدثاً في المناسبات الكبرى، لساعات وساعات، دون أن يرف له جفن أو يجف له عصب.. وكان مستمعوه أسوأ حالاً منه وأكثر بعثاً على الشفقة.. غير أنه اكتشف -متأخراً جداً- أنه كان طوال عهده المديد، يقرأ خطاباً مؤلفاً من صفحة واحدة فقط.. لكنها منسوخة بمائة نسخة!
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.