لائحة الأخطاء الطبية داخل المستشفيات الحكومية والخاصة في اليمن طويلة، وتختلف رواياتها يمن مونيتور/العربي الجديد
تتكرر الأخطاء الطبية في مستشفيات اليمن، لكنّ المواطنين غير قادرين على تحصيل حقوقهم إما لجهلهم أو لتغييب ملفاتهم
وجد شرف المخلافي نفسه مجبراً على اللجوء إلى القضاء بعدما تسبب خطأ طبي في إعاقة لطفلته البالغة من العمر عشر سنوات في أحد مستشفيات صنعاء.
يقول لـ”العربي الجديد”: “نقلت ابنتي إلى مستشفى خاص في صنعاء بصورة عاجلة بعدما زادت السوائل في الرئة، ليجري إخضاعها إلى عملية جراحية أدت إلى تلف خلايا الدماغ والتسبب في إعاقتها”. يشير إلى أنّ الأطباء حقنوا ابنته بكمية زائدة من مادة التخدير ما تسبب بإعاقتها حركياً وذهنياً. يضيف لـ”العربي الجديد”: “رفعت قضية على المستشفى، لكن لم أحصل على نتيجة ولم يُحل المتسبب إلى المحاكمة، وضاعت القضية في دهاليز المجلس الطبي الأعلى والمحاكم، فيما حالة ابنتي في تدهور ولم يحدث أي تحسن في صحتها”. يتابع المخلافي أنّ النافذين في المستشفى استطاعوا التلاعب بالقضية والهروب من المسؤولية في ظل غياب القانون كما يقول.
لائحة الأخطاء الطبية داخل المستشفيات الحكومية والخاصة في اليمن طويلة، وتختلف رواياتها، وتتعدد أسبابها بين خطأ طبي أو رفض للتطبيب، أو تهاون في المهمة من قبل الأطباء والممرضين. قد يدخل المريض إلى مستشفى حكومي أو خاص فلا يخرج إلاّ جثة هامدة أو مصاباً بعاهة تلازمه طوال حياته أو بضرر أكبر من إصابته السابقة. هذا ما يؤكده المواطن جميل شمسان، بعدما تعرضت زوجته لخطأ طبي أثناء ولادتها جعلها غير قادرة على الحمل والولادة مجدداً. يقول لـ”العربي الجديد”: “خضعت زوجتي لعملية قيصرية بعدما تعسرت ولادتها، لكن بعد سنتين اكتشفنا أنّها غير قادرة على الحمل مجدداً بعدما عرضتها على أكثر من طبيبة، فقد أكدت الفحوصات أنّ خطأ طبياً حدث أثناء العملية الجراحية تسبب لها بالعقم”. يشير إلى أنّ “العاملين في المستشفى أنكروا ذلك، وعجزت عن رفع قضية لأنّي لن أحصل على أي نتيجة سوى الخسارة في ظل غياب تحصيل حقوق المواطنين”.
هذه الأخطاء وغيرها يؤكدها الضحايا كما تؤكدها شهادات بعض الأطباء، منهم طبيبة تعمل في مستشفى “الثورة” العام بصنعاء فضلت عدم الإشارة إلى اسمها. تقول لـ”العربي الجديد”: “سبق وارتكبت إحدى الممرضات بالمستشفى خطأ فادحاً في ترتيب ملفات المرضى ما تسبب بارتكاب خطأ جراحي بحق مريضين”. تشير إلى أنّ “عدم فحص الدكتور للملفات تسبب في ارتكاب الأخطاء، إذ أجرى عملية إزالة الزائدة لمريض في الوقت الذي يعاني من المرارة، والعكس بالعكس، أزيلت مرارة مريض آخر كان يعاني من التهاب الزائدة”. تلفت إلى أنّ الطبيب بعدما لاحظ الخطأ استمر في عمله وأعاد الاثنين إلى طاولة العمليات واستأصل ما كان يجب استئصاله من الأساس.
مع تزايد الشكاوى من تكرار الأخطاء الطبية وتدني مستوى الخدمة في كثير من المستشفيات، يعتبر البعض أنّ الأخطاء تبقى أمراً محتملاً خارجاً عن السيطرة في كثير من الأحيان، لكنّ ذلك لا يعني وجود تعمد أو إهمال بحسب الدكتور محمد الصبري. يؤكد الصبري لـ”العربي الجديد” أنّ “هذه الأخطاء قد تحدث، لكن من غير المعقول التعامل مع المستشفى أو الطبيب على أنه يقصد ارتكاب مثل هذا الخطأ، خصوصاً أنّ الطبيب يخاف على مستقبله المهني”.
الإحصاءات الرسمية لحالات الأخطاء الطبية في اليمن غير متوفرة، لكن لا أحد يمكنه أن ينكر تزايد حالات الإهمال الطبي وضعف الكفاءة التي وصلت إلى حدّ التسبب بالوفاة أو الإعاقة الدائمة، وفي المقابل، عدم حصول الضحايا أو أسرهم على الإنصاف. بحسب مصدر في المجلس الطبي اليمني (حكومي) فإنّ المجلس لم يفصل في أيّ قضية لعدم استكمال الإجراءات وصعوبتها، ولجوء البعض إلى الحلول القبلية. يؤكد المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد” أنّ دورهم يقتصر على “استقبال الشكاوى وعدم البتّ فيها بسبب الأحداث في البلاد، وصعوبة النزول إلى الميدان للتحقيق في أداء مزاولي المهن الطبية”.
القليل من ضحايا الأخطاء الطبية أو ذويهم يرفعون دعاوى قضائية ضد الأطباء المتسببين في الخطأ، إلا أنّ أغلب الحالات لا سيما الخطيرة منها تبقى محاطة بالسرية والتستر والغموض. يؤكد المحامي والناشط الحقوقي علي أحمد الأسودي أنّ أهم التحديات التي تواجه المرضى في حال وقوع أخطاء طبية مسألة إثبات ارتكاب الطبيب أو العامل الطبي الخطأ. يقول لـ”العربي الجديد”: “وفقاً للقانون، تقع على الأطباء المسؤولية الكاملة في حال حدوث أي خطأ للمريض، لكنّ اليمنيين لا يعرفون أنّ لهم الحق في مقاضاة الطبيب في حال ارتكب الخطأ ولا يعرفون أساليب محاسبته”. يشير إلى أنّ كثيراً من المواطنين يتعاملون مع مثل هذه الحوادث على أنّها “قضاء وقدر”. يضيف: “توجد صعوبات كثيرة تجعل من عملية مقاضاة الطبيب أو المستشفى التي حدث فيها الخطأ الطبي على رأسها اشتراط القانون ضرورة تقديم القضية إلى المجلس الطبي اليمني قبل رفعها إلى القضاء، الأمر الذي يؤدي إلى تأخير وتمييع القضايا والتلاعب بها”. يلفت إلى ضرورة أن تتضمن التشريعات “نصوصاً قانونية تفرض على الأطباء والمستشفيات التأمين ضد الأخطاء، وسنّ تشريعات رادعة للحيلولة دون تكرارها”.
تشهد المنظومة الطبية في اليمن فوضى جعلتها عاجزة عن القيام بدورها في ضبط العمل ومراقبة الجودة والكفاءة، ما أتاح الفرصة لمالكي المرافق الطبية والعيادات الخاصة للعبث بأرواح المرضى وعدم الامتثال للأنظمة والقوانين السارية، في ظل انهيار أغلب مؤسسات البلاد بسبب الحرب.