كم هو بوسعنا أن نغمض أعيننا ونلمّ أفواهنا، ونضم أيدينا على صدورنا، ثم نصدر شخيراً إن أردنا؛ لنظهر بهيئة النائمين.
كم هو بوسعنا أن نقوم بإطفاء الأنوار وقت النوم، أو في الوقت المتأخر من الليل، ثم نستلقي على الفراش المنهك، لنلتقي تلك الوسادة التي لطالما ضاقت بنا ذرعا.
كم هو بوسعنا أن نغمض أعيننا ونلمّ أفواهنا، ونضم أيدينا على صدورنا، ثم نصدر شخيراً إن أردنا؛ لنظهر بهيئة النائمين.
لكن ثمة شيئاً ليس بمقدورنا عمله أو الوصول إليه، هو أن ننام.. هذا هو الأمر الذي استصعب علينا معشر اليمنيين، نصاب بالأرق الشديد، ولسنا نعاني من الحب الجنوني الذي يعاني منه ساهرو الليل.
نجاهد أنفسنا لننام، فتوقضنا تنهيدةٌ تخرج من صدورنا بعنف جارح؛ عندما نتذكر أمراً عظيماً أحببناه كثيراً وافتقدناه سريعا، ثم نبسمل لنعاود ثانيةً ولم نستطعْ.
تمر أمام أعيننا لقطات للأحبة الذين غادروا الحياة، نتذكر قرع نعل الأب داخل غرفة نومنا حينما يدخل للاطمئنان علينا، الأب الذي أكلته الحرب فغادر الحياة عله ينعم بغيرها.
ننام نحن اليمنيين أو نتظاهر بالنوم، ونحن نبسط أصابعنا ونقبضها لنحسب ماعلينا من الأموال التي يجب علينا دفعها صباح اليوم التالي قبل أن تحل علينا الداهية الكبرى.
نغلق أعيننا بقوة حتى ننسى ولا ندري إلا وقد نهضنا مسرعين لنتفقد أبواب البيت والأهل ونعود ثانيةً لحساب أمر غاب عن مخيلتنا.
نستلقي على الفراش ونحن نرفضه، بل هو الرفض لنا في الحقيقة، لقد رفضنا حينما جعلناه مكاناً للبكاء والحسرة والندم، جعلنا المتنفس للبوح بالهموم، أخرجناه من وظيفته إلى وظيفة لم يرتضيها، ولم يطقها.. يصاب بالأذى الشديد من أنيننا.
نحن نريد أن ننام كبقية العالم، وهي الأمنية الكبيرة لنا، أن نستريح ولو لبعض الوقت كوقت النوم مثلاً الذي فيه راحة للعقل والجسد.
ولكن أية راحة تلك التي يحلم بها الإنسان اليمني، أن ينام، وكيف له وإن حاول قدر استطاعته أن يتناسى الواقع، فسيوقضه أنين ابنه المصاب بالحمى الشديدة، أو صراخ ابنته التي تريد قطعة من الحلوى، وإن لم يكن ذلك فصوت زوجه وهي تعدد له المتطلبات التي لم يحضرها والتي ينبغي عليه إحضارها، أو طرقات الباب من المؤجر.
حالة كبيرة من الصراع يعشها الفرد اليمني صراع من الداخل والخارج، صراع على مستوى الوطن والبلد والحارة بل بينه وبين ذاته، بينه وبين الوسادة التي تتحمل كل أعبائه ومآسيه.
اللهم مزيداً من الصبر للشعب الأعزل.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.