(عدونا مشترك).. العلاقة الملتبسة بين تنظيم القاعدة والقبائل اليمنية-ترجمة
لقد انتهك الحوثيون الشرف القبلي في حين ساعد تنظيم القاعدة في الدفاع عنه. بالنسبة للقبيلة فإن تنظيم القاعدة هي مشكلة الغد، لكن الحوثيون هم التهديد الوجودي الذي يحتاجون إلى مواجهته الآن. يمن مونيتور/ صنعاء/ ترجمة خاصة:
نشر معهد ديل كارنيجي للدراسات والبحوث تحليلاً معمقاً للباحثة “ندوى الدوسري” عن انتشار تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب في اليمن في محافظة البيضاء (وسط البلاد) وكيف تمكن هذا التنظيم من التواجد في تلك المناطق.
وندوى الدوسري هي باحثة في عِدة مراكز بحوث دولية وتملك خبرة أكثر من 11 عاماً في العمل الميداني ودراسة شؤون القبائل اليمنية. وتستند دراستها هذه إلى مقابلات أجرتها الباحثة مع رجال وزعماء القبائل في البيضاء، مقدمة دراسة حالة مهمة في فِهم العلاقة الملتبسة بين التنظيم والقبائل والتي تعرَّضت للكثير من الرؤى منذ اجتياح الحوثيين للمحافظة الاستراتيجية وسط اليمن.
ولفتت الباحثة إلى أنه “في بعض الأحيان يُلقى بلوم انتشار تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على القبائل عن طريق الخطأ. ويسود الحديث بأن التنظيم المتطرف بات جزء لا يتجزأ من النسيج القبلي والاجتماعي في البلاد حيث تُقدِّم القبائل لأفراد التنظيم الحماية والملاذ الآمن. ومنذ بداية الحرب اليمنية في أيلول/ سبتمبر 2014 يتم شرح العلاقة بين التنظيم والقبائل بصبغة طائفي، حيث يعتقدون أن القبائل السنية تقاتل مع تنظيم القاعدة جنباً إلى جنب ضد الحوثيين الشيعة”.
وتشير الكاتبة إلى أن محافظة البيضاء تعتبر واحدة من المناطق التي ازداد نشاط تنظيم القاعدة فيها منذ أواخر 2014. حيث شارك المواطنون القبليون في معارك ضد الحوثيين، وعزز هذا التطور بناء تنظيم القاعدة لتحالف مع القبائل المحلية من أجل مواجهة العدو المشترك. لكن حقيقةً وقبل الصراع في اليمن، فقد قامت القبائل إلى حد كبير بعرقلة ومواجهة قدرات تنظيم القاعدة على التوسع والحصول على النفوذ، ولم يكن هناك تعاطف للقبائل المحلية مع التنظيم، بل إنَّ الهجوم الذي قام به الحوثيون والقوات الموالية للرئيس الراحل علي عبدالله صالح هو ما تسبب في الفوضى، وأثار المظالم وانتهك الأعراف القبلية وأدى تفاقم الأوضاع إلى فتح المجال لتنظيم القاعدة لإيجاد موطئ قدم في تلك المناطق.
القاعدة في شبه الجزيرة العربية والقبائل: حالة طارق الذهب
وتذهب الكاتبة إلى أنَّ الاعتقاد الخاطئ حول تعاون القبائل مع تنظيم القاعدة قد يرجع إلى يناير/كانون الثاني2012، عندما سيطر طارق الذهب، وهو واحد من زعماء قبائل قيفة في البيضاء، على قلعة ومسجد العامرية في وسط مدينة رداع، بمساعدة عشرات المسلحين الذين ينتمون لتنظيم القاعدة. وسعى “طارق” الذي عاش في صنعاء طوال حياته، إلى استخدام تنظيم القاعدة من أجل استعادة مكانته في عشيرته، “آل الذهب”. والسبب في ذلك يعود إلى أن شقيق طارق الأكبر “علي” أنكره وستة من إخوانه حقهم في الثروة والأرض التي ورثوها عن والدهم، الذي كان زعيماً للقبيلة.
وتضيف ندوى الدوسري في دراستها، إنه غالباً ما يتم تقديم هذه الحادثة كدليل على دعم القبائل للتنظيم المتطرف. ويعزز هذا الافتراض أنَّ طارق قام بتزويج أنور العولقي بشقيقته، والعولقي هو رجل الدين الأمريكي البارز الذي كان متحدث باسم التنظيم وقتلته طائرة أمريكية دون طيار في 2011. ويقول البعض أيضاً أنَّ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب استغلت التنافس داخل قبيله “الذهب” لتخترق القبائل. لافتة إلى أنَّ التعاون بين طارق الذهب وتنظيم القاعدة لم يكن نتيجة لتقارب الأيدلوجيا. ففي الواقع فإن معظم من اتبعوا طارق الذهب لم يكونوا ملتزمين دينياً. لكنه كان قادراً على اجتذاب القبائل لقدرته على حل الصراعات الصعبة المتمثلة بعمليات “الثأر” بين القبائل وهذه مشكلة مستوطنة بين القبائل اليمنية. وقد رأى تنظيم القاعدة إمكانية تحقيق فائدة من مساعدة طارق في حل هذه النزاعات القبلية المعقدة على أمل أنَّ يحصل على دعم محلي من ذلك. وهو ما دفع التنظيم إلى تقديم المزيد من الخدمات التي لا تقدمها الحكومة ولا القبائل إلى السكان المحليين. بل إنَّ التنظيم الجهادي يدفع أحياناً مبالغ مالية كبيرة لتسوية النزاعات القبلية.
وتابعت الباحثة، أنه وبالرغم من ذلك لم يتمكن طارق في تحالفه مع القاعدة عكس آمال قبيلته الأوسع. في الحقيقة فقد كانت القبائل التي سمحت ببقاء تنظيم القاعدة في البيضاء تحكم سيطرتها على التنظيم ونجحت في ذلك، مع الاعتراف بالتهديد الذي يشكله التنظيم المتطرف. ومع ذلك اعتقدوا أن التخلص من تنظيم القاعدة يحمل العديد من المخاطر على النظام القبلي الهش أصلاً وتحاول المحافظة عليه بعد أنَّ أنشأته. وذلك لأن أعضاء تنظيم القاعدة ينتمون أساساً للقبائل المحلية واللجوء إلى القوة يمكن أنَّ يشعل صراعات قبلية، وهذه المشكلة التي تواجه قبائل البيضاء وفي مناطق أخرى وتكافح من أجل حلها. لذلك فضلت القبائل الاعتماد على المفاوضات والضغط عندما يتعلق الأمر بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب وكذلك معاقبة أفراد القبيلة الذين يقدمون المأوى للتنظيم. لكنها لا تستخدم القوة إلا عند استنفاد جميع الوسائل.
وتشير ندوى الدوسري إلى أنَّ هذا هو ما حدث بالضبط عندما دخل طارق الذهب ومقاتلي التنظيم إلى رداع. واتخذت القبائل من سبع مناطق محيطة بالمدينة إجراءات فورية لاحتواء الوضع. وحاصر رجال القبائل المسلحين المباني التي يسيطر عليها التنظيم. ووضعت القبائل رجالها المسلحين لحماية المقار والمؤسسات الحكومية وشكلوا لجان لمراقبة الأحياء. ثمَّ تم تشكيل لجنة وساطة من كبار الشخصيات القبلية للتفاوض مع طارق، والتي أقنعته في نهاية المطاف بالانسحاب من المدينة والعودة مع مقاتلي القاعدة إلى قريته في “المناسح”. لم تُرسل قبيلة طارق المسلحين لوقف حصاره ما يعني أنها أفقدته حقه في الحماية والامتيازات الأخرى كعضو في القبيلة.
بطبيعة الحال فحتى الوساطة قد لا تنتهي بشكل جيد، فقد تعرض طارق للمواجهة من قِبل أخيه غير الشقيق “حزام الذهب” الذي كان غاضباً من رؤية مقاتلي تنظيم القاعدة في “المناسح”، وطالب أشقاءه بمغادرة أعضاء التنظيم من القرية لكنه رفض فقتلوه في نهاية المطاف. وفي اليوم نفسه انتقم المسلحون التابعون لـ”طارق” بقتل أشقاءه. وعندما أرسلت الحكومة اليمنية حملة ضد مسلحي التنظيم في “المناسح” وإجبارهم على المغادرة في فبراير/شباط2013 تدخلت القبائل لوقف الحملة العسكرية بعد أنَّ دمر قصف جوي منازل في المنطقة. لقد كان شيوخ القبائل قلقين من مواجهة مناطقهم نفس مصير مناطق في محافظة “أبين” منتصف 2012، عندما أدت العملية ضد تنظيم القاعدة إلى تدمير هائل وتشريد مئات الآلاف من المدنيين. في نهاية المطاف أجبرت الوساطة الجديدة مسلحي تنظيم القاعدة على مغادرة “المناسح” وأعلن مسؤول حكومي أنَّ القرية أصبحت خالية من القاعدة. وانتقل المسلحون إلى قرية “يكلا” وهي منطقة نائية وجبلية على الحدود مع محافظة مأرب.
دخول الحوثيين محافظة البيضاء
في سبتمبر / أيلول 2014، استولى الحوثيون على صنعاء بدعم من الوحدات العسكرية الموالية لعلي عبد الله صالح. وبعد أسابيع قليلة، في أكتوبر، انتقل الحوثيون جنوباً، للسيطرة على محافظة البيضاء، وتمكنوا من السيطرة على معظم مديريات المحافظة بحلول مارس/آذار عام 2015. لقد وصف الحوثيون الحملة العسكرية على أنها حرب ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بموجب اتفاق السلم والشراكة الذي وقعه الحوثيون في 21 سبتمبر/ أيلول2014، لقد أعطت الحكومة الغطاء اللازم للحوثيين من أجل دخول البيضاء عندما أعلنت أنها ملتزمة بمساعدة مواطني البيضاء على محاربة تنظيم القاعدة.
وتقول ندوى الدوسري، إنَّ الحقيقة كانت أن الحوثيين يريدون السيطرة على محافظة “البيضاء” كونها مهمة عسكرياً للجماعة المسلحة، لأن المحافظة تقع وسط اليمن وتتقاسم الحدود مع ثماني محافظات أخرى. ومن شأن السيطرة على البيضاء أنَّ تسهل على الحوثيين تعزيز المكاسب العسكرية التي حققوها شمال البلاد والتحرك جنوباً وشرقاً لتثبيت هذه المكاسب.
وتذهب الباحثة إلى شرح دخول الحوثيين البيضاء، وقالت إنَّ الحوثيين دخلوا “البيضاء” عبر محافظة ذمار التي كانوا يسيطرون عليها بفضل الوحدات العسكرية الموالية للرئيس السابق، مشيرةً إلى أن قادة القبائل في البيضاء الموالين لـ”صالح” عملوا على تسهيل دخول الحوثيين. في وقت كانت القبائل في جميع أنحاء البيضاء كانت مستعدة لوقف زحف الحوثيين باتجاه مناطقهم لكنهم أدركوا أنَّ اتحاد قوة الحوثيين وصالح أقوى بكثير. لذلك اختروا أنَّ يظلوا محايدين. وكان الوضع في صنعاء ما يزال غير واضح، فقد سقطت العاصمة للتو بيد الحوثيين. وكان الانطباع السائد أنَّ توسع الحوثيين كان مجرد واجهة تستمح لـ”صالح” وعائلته للسلطة.
ومن أجل وصول الحوثيين إلى رداع، وهي ثاني أكبر مدينة في البيضاء حيث تقع المرافق الحكومية والعسكرية والأمنية، كان الحوثيون بحاجة للمرور عبر أراضي قبيلة “العرش” (ماور العرش)، وسمحت القبيلة على مضض بتمرير الحوثيين إلى رداع وقيفة، اللتان تقعان إلى الشمال، بواسطة الطريق السريع الرئيسي الذي يمر عبر منطقة العرش. في المقابل، اشترطت القبيلة، ألا تستخدم أراضي القبيلة للمشاركة في أي قتال: “نحن لسنا أعدائك ولكننا نريد أنَّ تبقى القبيلة مكرمة ومحمية دون أنَّ يمسها أحد” قال زعيم قبيلة “العرش” للحوثيين خلال المفاوضات.
وعندما اكتسب الحوثيون سيطرة أكبر على البيضاء وأصبحوا أقوى من صالح انقلبوا على معظم الاتفاقات التي أبرموها مع القبائل وبدأوا يرتكبون انتهاكات غير مسبوقة لإجبار القبائل على تسليم معارضيهم. لقد اختطف الحوثيون واعتقلوا وقتلوا معارضيهم، بما في ذلك زعماء القبائل، وفجروا منازلهم، وكلها جرائم خطيرة وفقاً للتقاليد القبلية. على سبيل المثال في أغسطس/آب 2016، قتل الحوثيون أربعة من زعماء القبائل بدمٍ بارد، كما دمروا المزارع وفرضوا ضرائب باهظة وفرضوا شعارات إيديولوجية خاصة بالجماعة المسلحة في المساجد المحلية، ما أثار استياء القبائل.
رأى العديد من زعماء القبائل أنَّ أعمال الحوثيين تهدف إلى تقويض سلطتهم. على سبيل المثال في قرية “خبزة”، أدت وساطة قبلية بين الحوثيين والقبائل إلى طرد أعضاء من تنظيم القاعدة من القرية. وبالرغم من ذلك حاول الحوثيون السيطرة القرية بالقوة، ودمروا العديد من المنازل وقاموا بتشريد الآلاف من العائلات. وبالمثل في منطقة “الزوب” وهي المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان وهي الأعلى تعليماً في قيفة وثقت منظمة حقوقية غير حكومية 800 انتهاك فظيع ضد السكان المحليين ارتكبتها جماعة الحوثي المسلحة. لقد دفع سلوك الحوثيين القبائل إلى القتال، واندلع العنف بين الجانبين في عدة أجزاء من مدينة قيفة قبل أنَّ تنتشر المعارك إلى مناطق قبلية أخرى في البيضاء في وقت ما تزال ست مناطق أخرى تخوض قتالاً ضد الجماعة.
وتضيف ندوى الدوسري، في دراساتها التي نقلها للعربية “يمن مونيتور”، أن دخول الحوثيين إلى البيضاء سمح لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بأن يحصلوا على موطئ قدم في المحافظة، وأن يعودوا إلى “المناسح” بعد أنَّ تم إخراجهم منها أوائل 2013. وقام نبيل الذهب- شقيق طارق الذهب وقائد أنصار الشريعة إلى أن قُتل بغارة جوية في نوفمبر/تشرين الثاني2014- بعقد اجتمع في أكتوبر/تشرين الأول مع عدد من قبائل البيضاء، وغيرها من المحافظات في “المناسح” لمناقشة تهديد الحوثيين. وبعد الاجتماع أصبح مقاتلو تنظيم القاعدة نشطين جداً في قتال الحوثيين، وتزايدت صفوفهم. وأظهر ذلك أن القبائل التي عملت طوال الفترات الماضية على تقليص نفوذ تنظيم القاعدة والحد من وجوده في المحافظة لم تعد على استعداد للقيام بذلك، فقد كان لديهما عدواَ مشتركاً.
وقال أحد أعضاء لجنة الوساطة التي أقنعت تنظيم القاعدة بالانسحاب من رداع عام 2012: “قبل هذه الحرب لم تكن القبائل تريد تنظيم القاعدة وتمكنت من إبقائها ومطارتها خارج مناطقها. لكن رجال القبائل الغاضبون الآن يرون أنَّ تنظيم القاعدة مرحبٌ به إذا كان يمكن أن يساعدنا على محاربة الحوثيين “. وبالفعل، وفقا لرجال القبائل المحليين في البيضاء، فإن تنظيم القاعدة لديه مقاتلين أكثر خبرة ومهارة قتالية أفضل من أي مجموعة أخرى، بما في ذلك القبائل. كما أن لديه الكثير من المال والمعدات، وهذان عاملان تجذبان بعض رجال القبائل المحبطين من عدم وجود دعم ومساندة من الحكومة اليمنية الموجودة في المنفى والمملكة العربية السعودية، للقيام بمعركة ضد الحوثيين. على سبيل المثال في عام 2015 قامت الحكومة بتشكيل اللواء 117 المكون من عِدة آلاف من قبائل البيضاء، بهدف مواجهة الحوثيين في مناطقهم ومع ذلك تمركز اللواء في محافظة مأرب المجاورة، أما القبائل -المقاومة الشعبية- لم يتلقوا حتى الآن أي دعم ضد الحوثيين.
ولفتت الدراسة إلى أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية تمكن من توسيع عملياته في البيضاء، مستغلاً المظالم التاريخية التي شكلت مواقف القبائل تجاه الحوثيين. وينظر إلى الحوثيين -على نطاق واسع- في البيضاء باعتبارها امتداداً للإمامة الزيدية، وهي جماعة ثيوقراطية حكمت اليمن مئات السنين، وأجبرت معظم القبائل على الخضوع عن طريق الترهيب حت أطيح بها عام 1962م. ويعتقد رجال القبائل في البيضاء أن الحوثيين يريدون إعادة النظام الإمامي مجدداً وانهاء الجمهورية، يعزز الحوثيون ذلك بالخطاب عن حق أهل البيت وعائلة النبي في حكم البلاد. ويرتبط الحكم الإمامي في البيضاء إلى القرن السابع عشر وكذلك إلى عشرينيات القرن الماضي، عندما تك قطع رؤوس قادتهم وتعليقها، وكيف نهبت قوات الإمامة الضرائب ومحاصيلهم الزراعية. ويعتقد القبائل في البيضاء أنَّ الحوثيين يتصرفون بوحشية ضدهم لدورهم الهام في سقوط الإمامة عام 1962.
هناك عدو واحد عليه أن يرحل
وقالت الدراسة إن قبائل محافظة البيضاء تعتبر الحوثيين تهديداً أكبر من القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وعلى عكس الحوثيين لا يمارس تنظيم القاعدة أي سلطة على القبائل أو تجبرهم على اتباع أيديولوجية معينة. الحوثيون هم الغرباء الذين جاءوا أساساً من القبائل الشمالية، في حين أن أعضاء في تنظيم القاعدة هم أساساً من رجال القبائل المحليين الذين لم يطعنوا في سلطة القبائل في البيضاء.
وتابعت: لقد أهان الحوثيون القبائل من خلال وصف أولئك الذين يرفضون وجودهم في البيضاء بـ”الدواعش” وهو مصطلح يرجع في أصله إلى “داعش” الذي يصف الجماعات التي تقترب إيديلوجياً من تنظيم الدولة الإسلامية التي نصبت نفسها. في الوقت نفسه كان تنظيم القاعدة حريصاً دائماً على عدم استعداء القبائل والتعامل معها باحترام. لقد انتهك الحوثيون الشرف القبلي في حين ساعد تنظيم القاعدة في الدفاع عنه. بالنسبة للقبيلة فإن تنظيم القاعدة هي مشكلة الغد، لكن الحوثيون هم التهديد الوجودي الذي يحتاجون إلى مواجهته الآن.
يمكن أنَّ يكون تنظيم القاعدة قد اكتسب المزيد من المجندين في المناطق القبلية خلال السنوات الماضية، على الرغم من أنَّ التنظيم المتطرف ما يزال أبعد ما يكون عن الاندماج داخل القبائل بل إنه أضعف منها بكثير. فغالبية رجال القبائل الذين يقاتلون مع التنظيم تحركوا ضمن دوافع أقل بكثير من اعتبرها أيديولوجية، لكنه أكثر بسبب الغضب والإحباط من التهميش الذي عانت منه مناطقهم، ولا زالوا يعانون، فضلاً عن جهود الحوثيين الحالية لإخضاعهم. في حين أنَّ هناك تنسيق بين القبائل المحلية التي تقاتل الحوثيين وتنظيم القاعدة فإنها تعمل في أماكن منفصلة. وعندما بدأ الحوثيون مواجهة قبائل “قيفة” في أكتوبر/تشرين الأول 2014 اجتمعت القبائل الرئيسية في البيضاء ووافقوا على إرسال المئات من رجالهم للقتال ضد الحوثيين ومساعدة قبائل “قيفة” ومع ذلك عاد معظمهم عندما علموا أنَّ تنظيم القاعدة يقاتل أيضاً ضد الحوثيين إلى جانب القبائل. بعد ذلك بقليل انتقل مقاتلو القاعدة إلى مواقع منفصلة بعد مطالبة واسعة من القبائل التي كانت تخشى أنَّ يقوض وجودهم مع مقاتلي التنظيم، من شرعية قضيتهم ويضعهم في دائرة الاستهداف بصفتهم أعضاء في التنظيم.
كان هذا التفاعل مفهوما، حيث لا تزال هناك اختلافات جوهرية بين القبائل وتنظيم القاعدة في ساحة المعركة. في أوائل عام 2015، أعدم مسلحو القاعدة مقاتلين حوثيين وهو عمل أغضب القبائل وأدى إلى اشتباكات. فوفقاً للقانون القبلي العرفي، فإن تنفيذ الإعدام بحق الأشخاص العزل جريمة شنيعة للغاية. حتى في يكلا حيث يعتقد بتمركز تنظيم القاعدة فهم أساساً في الجبال بعيداً عن مساكن القبائل.
واختتمت ندوى الدوسري بالقول: “في نهاية المطاف، فإن قبائل البيضاء وتنظيم القاعدة يملكان أهداف متضاربة في حرب اليمن، فالهدف النهائي للقبائل هو تأمين أرضهم وطرد المسلحين الحوثيين. وليس لديهم أي مصلحة في محاربة الحوثيين خارج البيضاء. لكن تنظيم القاعدة يريد استخدام حرب العصابات لجرّ الحوثيين إلى مناطق القبائل حتى يتمكنوا من إدخالهم في حرب استنزاف مكلفة، وهو هدف يزعج القبائل المحلية. مادامت قبائل البيضاء مضطرة للدفاع عن مناطقها ضد الحوثيين، فإنها قوتها ستنهك، وهو ما يعني أنَّ قدرات القبائل على الحد من تهديد تنظيم القاعدة سوف يتضاءل مع مرور الوقت”.
المصدر الرئيس
Our Common Enemy: Ambiguous Ties Between al-Qaeda and Yemen’s Tribes