كتابات خاصة

كليبع!

سلمان الحميدي

غموض المصير أربك الحوثيين وأكسب طارق نوعًا من التعاطف لسبب بسيط: الرجل عسكري ويركن عليه للأخذ بثأر الأسرة الحميرية، فهو واجهة رجال عفاش الحميري.

كدت أكتب عريضة مدح عن طارق صالح، نويت أن أترك العقل جانبًا وأتناسى الماضي، وأكتب عن بطل الهزيمة، راحة للضمير الوطني الذي ساورني فجأة.
ظهور طارق، الذي سبق الاختفاء الغامض بين القتل والفرار، كان فيه نوع من البسالة. رجل ضخم أرغمته المشاكل مع حلفائه لإهمال لحيته، كان يرتدي الصدارة العسكرية ضامًّا يديه إلى صدره وهو يصلي صلاة الوداع داخل جامع الصالح.
لم يكن لضم اليدين أي دلالة للتقارب المذهبي في الصلاة الأخيرة تلك، ظهوره هذا لم يكسبه تعاطفًا حتى من أنصار حزب المؤتمر نفسه، وهم من كانوا يرونه الأسد الذي سيدرأ عنهم شرور الغدر والخيانة..
رفع أنصار صالح فجأة “لا حوثي بعد اليوم”، ولكنهم اختفوا كما رفعوا فجأة.
اختفى طارق عقب مصرع عمه الرئيس “السابق، الراحل، الزعيم، المخلوع، الخائن كما وصفه الحوثيين” كل شخص ينتقي الصفة التي تناسبه، عقب الاختفاء قال الصحفي المقرب من الأسرة نبيل الصوفي أن طارق قتل قبل عمه وأن صالح قد صلى عليه وأوصى أن يدفن إلى جواره.
هذا المصير، دغدغ العواطف كلها بحكم أننا أرأف قلوبًا، وأنا لا يريح ضميري غير الكتابة، كيف وطارق قد جمهر في آخر حياته، ومع ذلك تركت ضميري يتلقب على الجمر، خاصة بعد أن نشر شقيقه الكبير، بيان تعزية.
غير أن العالم لم يشاهد جثمان الرجل.
غموض المصير أربك الحوثيين وأكسب طارق نوعًا من التعاطف لسبب بسيط: الرجل عسكري ويركن عليه للأخذ بثأر الأسرة الحميرية، فهو واجهة رجال عفاش الحميري.
ليس مراقبون من يرون ذلك، كلنا تقريبًا تشاطرنا هذه الرؤية عن طارق، إذ من المعروف أن يحيى يعيش حياة متهتكة في لبنان. ستظهر النساء ببناطيلهن الضيقة السوداء في صالة العزاء التي أقامها يحيى لتأبين عمه الرئيس، وعليه من الصعب أن يعول إنسان على قيادة رجل متهتك لمواجهات مسلحة.
أما أحمد علي فمجرد رجل صنع له والده سمعة تبين أنها شمعية لصناعة قوات اسمها الحرس الجمهوري، سرعان ما ذابت هذه القوات بثقاب المليشيا، ولم يسعف الرجل غير الفيس بوك لنشر بيان التعزية متمنيًا العودة على “صهوة الجواد اليماني”.
طارق في الميدان، لا بد من كسب البطل لإحداث شرخ في تحالف الانقلاب، قد تنتهي الحرب أخيرًا، كان ضميري يؤنبني لأني لم أكتب شيئًا عن الأسد طارق حتى هذه اللحظة..
نبيل الصوفي الذي نشر خبر مقتله هو ذاته من نشر عريضة مدح تؤكد أن طارق على قيد الحياة، لم يفعل طارق أي شيء طيلة فترة اختفائه، بل إنه رد على تغريدة شاب يعمل في مكتب الرئيس هازئًا “جدتك” عندما كتب الشاب أن طارق وصل الإمارات.
كان الصوفي قد وصل إلى مناطق الشرعية حين أكد أن مسألة الخلاف بين صالح والحوثيين كانت بناء مؤسسة عسكرية تخدم الدولة، وأن طارق شرع في ذلك لولا خيانة الحوثيين. بل أكد الصوفي أن طارق كان يجهز جيشًا يقاتل جبهة الساحل الغربي، كان طارق سيقاتل الشرعية، سيوجه فوهات المدافع والدبابات إلى أهدافها بشكل أدق، كنا سنموت..
في هذه اللحظة ارتاح ضميري أني لم أكتب عن طارق..
تذكرت كليبع..
هناك حشرة يسميها أبناء البلاد “كليبع”، كليبع ينمو في روث البقر وبراز الآدميين التي تتعرض لعوامل التعرية، تواتيه الفرصة لينقلب من القرف الذي يعيشه إلى التربة، لكنه للأسف يتقلب بين الروث..
عندما يكون لديك شيء بسيط وقيمته وضيعة، وتنافح من أجله وتبذل وتبذل، يسخر الآخرون من صبرك، لذا قالوا:
مهما حاولت يستحيل لكليبع أن يكون قط الزباد.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى