سبقَ للجمعية العامة للأمم المتحدة أنْ أصدرت في العام 1975 قراراً يُساوي بين الصهيونية والعنصرية (قُبلة على جبين عهد التميمي)
——————————
هل تبدَّل تعريف العنصرية في القاموس السياسي الدولي ؟ .. أو تغيَّر المفهوم الرؤيوي تجاه الرق في الوعي الجمعي الانساني عمَّا كان سائداً قبل نصف قرن من الزمان ، على سبيل المثال؟
ففي الزاوية القاتمة من الصورة القائمة نرى أن الصهيونية لم تعد رديفاً لنظام “أبارتهيد” بعد أن نجحت قوى الضغط والتأثير الصهيونية العالمية في انتزاع صكّ البراءة للصهيونية -فكراً ودولة- من سماتها الأساسية الممقوتة انسانياً وفي مقدمتها النزعة العنصرية والابادة العرقية والتحقير الديني والاثني.
سبقَ للجمعية العامة للأمم المتحدة أنْ أصدرت في العام 1975 قراراً يُساوي بين الصهيونية والعنصرية ، غير أنها ألغت قرارها هذا في العام 1991، في ظل تقاعُس القوى العربية -اسلامية ومسيحية- عن تثبيت الهوية العنصرية للفكر الصهيوني والدويلة الاسرائيلية لدى الأوساط الفكرية والسياسية العالمية الفاعلة، ثم لدى الرأي العام العالمي الذي ظل هدفاً مباشراً للحملات الدعائية الديماجوجية التي تنتجها وتطوِّرها باستمرار الماكنة السياسية والآيديولوجية والاعلامية والنفسية الصهيونية التي تُجنِّد في سبيل ذلك الطاقات الهائلة والأموال الطائلة ومن دون أدنى توفير في الجهد أو الوقت أو الفرصة أو الوسيلة والحيلة، على العكس تماماً من حال العرب في هذا المضمار!
أنتهت الظاهرة الاستعمارية في جنوب أفريقيا، وانتهت معها الظاهرة العنصرية في القاموس السياسي الدولي السائد، فيما لاتزال الدويلة الصهيونية تُمثِّل الظاهرة الاستعمارية والعنصرية الوحيدة الباقية -كممارسة وليس كمصطلح- على سطح البيضة الأرضية. ومنذ وقت ليس بالقريب تُطالب عدة منظمات أفريقية مناهضة للعنصرية الدول التي مارست تجارة الرق بانتقاد نفسها بشكل صريح وأن تطلب الصفح من الشعوب التي مورست بحق أبنائها هذه التجارة -أي الأفارقة بالذات- وظل المقصود بهذه الاشارة الولايات المتحدة الأمريكية بالطبع. واعتبرت هذه المنظمات أن “تجارة الرقيق واستعباد السُّوْد لعبت دوراً حاسماً في ترسيخ التمييز ضد هذه الشعوب” الأفريقية. وقال متحدث باسم هذه المنظمات أن “اصدار شيك لا يمكن أن يُعوِّض عن الدم المُراق” في إشارة جليَّة إلى ابداء بعض الأوساط في الولايات المتحدة الأمريكية -آنذاك- فكرة التعويض المالي لضحايا تجارة الرق. كما دعت هذه المنظمات الى وجوب “تضمين هذه المرحلة من تاريخ أفريقيا في الكتب وتدريسها لتلاميذ العالم أجمع”.
لقد بكت أمريكا كلها وبغزارة شديدة حين كتبت ونشرت السيدة هارييت بيتشر ستو روايتها الفذَّة “كوخ العم توم” التي كشفت للرأي العام الأمريكي -منتصف القرن التاسع عشر- فداحة المأساة التي تمثلها تجارة العبيد في المجتمع الأمريكي آنذاك. ولحظةَ صافح الرئيس ابراهام لينكلن كاتبة هذه الرواية حين استقبلها في البيت الأبيض قال: هذه السيدة الصغيرة هي التي أشعلت تلك الحرب الكبيرة.. مشيراً إلى أن أفكارها وروايتها هي التي دفعته لخوض الحرب الأهلية من أجل تحرير العبيد بعد تسع سنوات من صدور الرواية. غير أن تلك الدموع الأمريكية الغزيرة قد جفَّت تماماً فيما لاتزال الدماء التي سفحها العبيد ساخنة على الأرض وفي الضمير.
ان المدماك الاستعبادي والابادي -العنصري- الذي قامت عليه الخيمة الأمريكية قبل خمسة قرون ، قد تكرَّر مع الظاهرة الاسرائيلية في منتصف القرن العشرين، ولايزال مستمراً حتى هذه اللحظة. وما الدفاع المستميت للولايات المتحدة عن اسرائيل سوى دفاع عن تاريخها هي نفسها، وهو تاريخ عريق من المتاجرة الحقيرة بدماء ودموع “الأبنوس” وهي التسمية التي كان يطلقها تجار الرقيق على العبيد في ذلك العهد البعيد!
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.