ريجي ممرضة هندية رفضت الذهاب إلى بلدها بعد اشتعال الحرب في اليمن، فقد آثرت البقاء في عملها لإسعاف المرضى تحت أزيز الرصاص ريجي ممرضة هندية رفضت الذهاب إلى بلدها بعد اشتعال الحرب في اليمن، فقد آثرت البقاء في عملها لإسعاف المرضى تحت أزيز الرصاص وأهوال الحرب، أصيبت مؤخرا بالتهاب رئوي توفيت على إثره.. كان قد أحبها طاقم المستشفى لإخلاصها في عملها وتفانيها في مساعدة الجرحى، وكأنها أم لهم بحسب وصف أحدهم، بل إنها تشارك من حولها في أعياد الفطر والأضحى محاولة منها لرسم السعادة في وجوه أضناها جحيم الحرب.
حزن الجميع لوفاة ريجي ودعا كثير منهم لها بالرحمة، بينما رأى استنكر آخرون ذلك ورأوه غير جائز كونها غير مسلمة!!
لا شك أن المسلم السوي سيقف حائرا أمام هذه الاستنكار، فنبينا أرسل رحمة للعالمين، وإلهنا وسعت رحمته كل شيء، نعم كل شيء، فكيف ضاقت تلك الرحمة ليحصرها البعض في ملته أو مذهبه!
إننا أمام مسألة خطيرة عند بعض المتدينين وهي انفصام الدين عن القيم الإنسانية التي جاء الدين لتحقيقها أصلا، لقد نسوا القيم العليا وضاعوا في الهوامش.. فما هي تلك القيم العليا التي ينبغي أن نتعامل بها في مثل هذه القضية.
هناك أصلان مهمان ينبغي ألا يغيبا في تعاملنا مع المخالف لنا دينا ومذهبا:
أولها: أن المسلم هو المقابل للمجرم، يقول تعالى: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين)، فكل من لم يرتكب جرما بحق الآخرين فهو مسلم أو مسالم.. وأما من ارتكب جرما فهو المجرم.. ومن هنا جاء تعريف المسلم بأنه “من سلم المسلمون من لسانه ويده”، أي كف عنهم الاعتداء والإجرام.
أما المؤمن فعكسه الكافر .. والإيمان والكفر مسألة تتعلق بالحق والباطل، أما الإسلام والإجرام فمسألة تتعلق بالخير والشر..
ونحن نحاسب الناس ونحكم عليهم ونفاصلهم في مسائل الخير والشر لأنها مسائل تمسنا مباشرة في حياتنا.. أما مسائل الحق والباطل فهي اعتقادات خاصة بين الفرد وربه ندعها لله يوم القيامة فهو من سيحكم بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون.. ويتبعها كذلك مسألة الحكم على الناس بالجنة أو النار فالحكم فيها من اختصاص الإله وحده..
إذن فالمسلم والمسالم في التعامل شيء واحد بخلاف المجرم.
ثانيها: هناك آية حددت علاقتنا مع كل من ليس بمؤمن بملتنا وهي قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) الممتحنة 8. وهذا الآية تضع خطاً عريضاً للتعامل مع المسالم من غير ملتنا، وهو البر والقسط..
وأظن أن الدعاء لمن عاش معنا مسالما ووقف معنا ليمد يد الرحمة ليخفف آلامنا يدخل ضمن ذلك البر والقسط.. إنه بر وقسط يشبه ذلك البر والقسط تجاه آباءنا إن كانوا على غير ملتنا، أولم تأت الآية لتأمر بمصاحبة الوالدين اللذين يجاهدان ولدهما على الكفر والشرك فكيف بمن لم يفعل ذلك.. والمصاحبة ليست إلا البر والقسط.
تخيلوا معي مسلماً تزوج مسيحية فصارت أما لأولاده، ثم توفيت.. أليس من البر أن يدعو لها بالرحمة، أليس من بر الأبناء بأمهاتهم أن يدعو لها بالرحمة! هل نقول لأولاده لا يجوز أن تدعو لأمكم!!
لقد أكدت آية النساء أن المسالم في حكم المؤمن، فقالت: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) النساء 94. أي لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام والعهد ولم يلق إليكم العداوة والحرب لست مؤمنا فتلحقوهم بحكم المحاربين غير المسالمين بل هم في حكم المؤمنين فلا يجوز قتلهم عمدا ومن قتلهم عمدا فحكمه حكم من قتل مؤمنا.
آما الآيات التي جاءت بالنهي عن الاستغفار للمشركين فإنها مرتبطة بكونهم قد أجرموا في حق المؤمنين وحاربوهم ليفتنوهم عن دينهم، ونقضوا العهد مع المؤمنين، فقوله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم * وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم ) التوبة 113-114. كان قد سبقه وصف لهؤلاء المشركين بقوله: (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) التوبة13. فهؤلاء المشركين هم الذين جاء النهي عن الاستغفار لهم.
أما النهي عن استغفار إبراهيم لأبيه فقد وضحت الآية أنه عدو لله، وعدو الله هو من يفتن الناس بالقوة كي لا يؤمنوا، ولا يختاروا ما يؤمنون به، وهذا ما عمله مع إبراهيم عليه السلام.
إن من البر والقسط بكل مخالف لملتنا أن ندعو له في الحياة بالهداية، وبعد الممات بالرحمة!! والله رحيم بعباده وليس علينا إغلاق أبواب الرحمة أمام أحد.
هكذا أفهم رسالة الله الذي قال إن رحمته وسعت كل شيء، ثم أرسل رسوله رحمة للعالمين، وأخبرنا بأن “الخلق كلهم عيال الله وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله”.
اللهم ارحم ريجي وارحم كل من حمل للإنسانية الرحمة في قلبه فانعكست في أفعاله تجاه خلقك.. إنك أنت الرحمن الرحيم.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.