كتابات خاصة

أكره البرد!

عبدالرحمن الظفري

للقهوة البيضانية حكاية تتلاشى معها خصوصية المكان، يلتقي الأهل والأقارب على فنجان القهوة ساخنة معدة بشكل حاذق.

اكره البرد، والقلوب الباردة، والأكل البارد، والردود الباردة، والرسائل الباردة، والمصافحة الباردة، واللقاءات الباردة، والعلاقات الباردة، والحروب الباردة، وأكره كل ما يتعلق بالبرود والجمود.

اكره بيتا لا شمس ولا دفئ فيه ولا قهوة ساخنة.
واحب بيتا فيه شمس ودفئ كبيتنا الذي تدخله الشمس وفيه دفئ وقلب امي وحضنها وقهوتها.
للقهوة البيضانية حكاية تتلاشى معها خصوصية المكان، يلتقي الأهل والأقارب على فنجان القهوة ساخنة معدة بشكل حاذق.
تشرق الشمس على بيتنا وحتى الغروب، وعند الغروب تقدم امي موقدا من الجمر للمكان لنبقى دافئين.
وأنا طفل كنت امضي أغلب وقتي تحت أشعة الشمس، في الصباح امي تضعني أنا واخواني تحت اشعة شروقها، واظل اراقبها على طول النهار، وكنت اظن أن السماء هي التي تتحرك وليس السحب، حتى انني كنت اظن أن المستقبل سيكون جميل كما اتخيل واريد.
وأنا اراقب الشمس كنت اتمنى لو انها تسقط إلى ساحة قريتنا، كنت ألاحق اشعتها في البيت لأدفى، وفي المدرسة كنت آحجز مقدمة الطابور لكي أكون تحت الشمس.
كنت أركض لأطرد البرد، امضيت طفولتي في الركض ولم اكن اشعر بالتعب.
ركضت كثيرا حتى سخن الدم في عروقي لكن بردا كبيرا أكبر مني بردا بحجم صخرة كبيرة بجوار بيتنا انهال عليّ ودخل كل مسامات جسدي النحيل حتى أوقعني ولولاه لظللت أركض حتى يوم الدفء.
في منطقتنا نحب الشمس كثيرا حتى أن كثيراً من اسماء النساء عندنا اسمائهن “شمس”، جدتي مثلا اسمها شمس، وعمرها الآن قرابة الثمانين عاماً، وما زالت امرأة تشع قوةً.
البرد مكروه ومخيف ويجلب للإنسان المرض.
“كل مرض وابوه البرد”
هذا مثل مشهور، ويعني أن البرد سبب رئيسي لجلب الأمراض.
البرد يجبرك أن تلبس ثقيل وأنا اكره الثقل، وما أجمل أن تكون خفيفا هكذا كطائر.
أكره البرد، وهو لا يعرف أنني أكرهه، لذلك فهو دائم الإلتصاق بي كظل ثقيل.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى