حرب المكابرات والمغامرات والأمزجة الهوجاء والمساعي العمياء التي بلا أفق لا أغبى من الحرب التي لا يمكن البناء عليها سياسياً.. الحرب الممعنة في خسارتها وطيشها والموغلة في عدم فوزها مع سبق الإصرار.
الحرب المزدوجة على الحاضر والمستقبل معا.. الحرب غير المستساغة على الصعيد الشعبي لأنها ليست من أجل الدولة والمواطنة وإنما من أجل الاستبداد والاستغلال.
حرب المكابرات والمغامرات والأمزجة الهوجاء والمساعي العمياء التي بلا أفق. ولكن أزلام الحرب مصابون بالزهايمر، ويعجزون عن التفريق بين الماضي والحاضر والمستقبل.. وهاهم يتحاربون فقط، بل ويعتقدون انهم يسلون على الشعب المتعوس الذي جعلوه رهينة لحروبهم.
يتحاربون برصانة ممجوجة، كما بإصرار غامض بالطبع، فلا يبالون بخطأ الوسيلة وخطأ الغاية.. وبقدر ما يمعنون في طيشهم اللاوطني أكثر، يتوحشون أكثر، ويفقدون ذاكرتهم أكثر أيضا.
رغم ذلك حتى الحرب حزينة، ومثلنا تحاول أن تبتسم فتتمزق.. ليست بطلة ولا آثمة، بقدر ما جرجرها أحدهم إلى بشاعته المفرطة على نحو سري ثم أدمن عليها.. خدعنا بأنه الوحيد الذي سينهيها ويضع لها نهاية وحد، إلا أن الحرب نفسها لا زالت تتحدى نفسها كي لاتصير حربا.
أما هو فيعتبرها مرآته للأسف.. ونحن في الحرب ليس لنا إلا أن نكون قتلى أو قتلة.
لكنها الحرب: معنى أن تلهو بالبشر بعلانية بحتة، وتدهور الروح من أعاليها إلى اقاصيها. وواقع تبدل مصائر الشوق والذكريات، ولعبة المعرفة المدمرة التي لم تولد بالمصادفة أيضا. والحال إن أثرياء الحرب، أبشع طبقة خلقتها الحرب.
يتوحشون بسعادة وينقضون على تعساء الحرب بلا رحمة. ثم يقولون إن الناس تعبت من الحرب.. لكنهم لا يقولون الناس تعبت من الإنقلاب الذي هو سبب الحرب أصلا.
على أنهم بإسم الحرب يتقاسمون الأموال والمناصب والسلاح والاعانات والأسواق السوداء فكيف تريدونهم أن يوقفوا الحرب.
أما الحرب فهي أحقر وأفظع وأشنع تجليات البشر على وجه الأرض.. إذا ما تقررت من قبل طرف، لابد أن تجد الأطراف الأخرى نفسها في خضم استجلاباتها ومصائبها وشرورها التي لا تنتهي.. ثمة معتوهين يفلسفون الحرب كضرورة للأسف ويحرضون عليها، بينما الحرب هي العامل الأساس في تشكيل المستقبل غير السوي.. إنها تقضي على القانون والحب والتعايش وتحول الجميع بإرادتهم أو بغير إرادتهم إلى مجرد وحوش مرعبة، إما أن تكون قاتلاً أو مقتولاً.
تلك ما تقرره الحرب، إنها الحيز الوحيد للأوغاد لتحقيق المكاسب والمصالح فقط.. الذل والانكسار والهلع للأبرياء.. وأما في الحروب الأهلية بالتأكيد لا ينتصر الشعب، يصير الشعب وقوداً لأغراضها الجهنمية كما يقول التاريخ، أنها صدمة الشعب بنفسه، الأداة التي لا تمت للعقل بصلة، أمراضها النفسية بلا شفاء و أهوالها تلاحق الجميع، اغتيالات، اعتقالات، اختطافات، كمائن، تفجيرات انتحارية، مجازر، إنها التهديد الأعلى للهوية الوطنية، وبالتالي تصعب أكثر فأكثر عملية السلم والمصالحة، ثم في الحرب تلمع الكوابيس في منامات الشعب فقط، إذ لا مكان للأحلام في الحرب أبداً.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.