اشتعلت الثورة الشبابية في اليمن، في الحادي عشر من فبراير/ شباط 2011، وجسدها الشباب اليمني الثائر، بسلميتهم الرائعة. اشتعلت الثورة الشبابية في اليمن، في الحادي عشر من فبراير/ شباط 2011، وجسدها الشباب اليمني الثائر، بسلميتهم الرائعة. وعلى الرغم من تصديهم لكل محاولات النظام الذي ترنح قبل تسقطه ثورتهم، ظلوا يتخبطون في ثورتهم، عاجزين عن الانتقال إلى المرحلة التالية، وبقوا على حالهم شهورا. وفي 3 إبريل/ نيسان، استمعوا لمن أعلن من الرياض عن المبادرة الخليجية التي حولت ثورتهم المباركة من الشعب إلى أزمة سياسية. ولما كان الرئيس علي عبد الله صالح، المطالب بالرحيل من السلطة حينها، كان خارج البلاد في رحلة علاج، إثر تعرّض مسجده لمقذوفٍ أصابه، أتيح لشباب الثورة الرد على المبادرة الخليجية بسرعة البحث عن الأخطاء، والعودة إلى تصحيح مسار ثورتهم المباركة، لكنهم، كما أهدروا فرصا كثيرة، صمتوا على كل بنود المبادرة، ولم يعترضوا، وإن يكن على المسمى، واستسلموا لعمليات الاحتواء، وناموا على أنغام فرقة الجنرال علي محسن الأحمر حتى 23 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، واستيقظوا على موسيقى توقيع المبادرة الخليجية التي تجاهلتهم، وتسلم بموجبها النائب حينها عبد ربه منصور هادي منصب الرئاسة، في 25 فبراير/ شباط 2012. ولم يوافق الشباب الثائر على محتوى المبادرة، بل باركوا جهود الأشقاء، وكان عليهم قبل التوقيع أن يعاودوا النظر إلى شارعهم والضغط على الدول الراعية، للوصول، على أقل تقدير، إلى تعديل بعض البنود المجحفة لثورتهم.
ولأنهم، إلى حينه، لم يقطفوا الثمار التي خرجوا لأجلها، من سوف يحاسبهم حينها، وإن بالملامة، واستمروا الثائرون في نومهم، حتى انتهائهم من مراسم تنصيب هادي رئيسا توافقيا للجمهورية اليمنية، أدرك العالم بأكمله أن النخب الذي سميت راعية لثورتهم تركتهم، فسارعوا إلى البحث عن مواقعهم في دولة المبادرة. ولم يدرك ثائرونا إنهم إذا بقوا دهرهم منتظرين خطابات النصر والتعظيم فإنها لن تصل إليهم. عاش الشباب في عزلتهم فترة الانحطاط، يتجرّعون وحدهم الهزيمة، لا يعرفون كيف سرقت قوتهم الممنوحة من الشعب، وشعروا بأنهم أضاعوا الفرصة الخامسة، ولم يعودوا إلى لملمة صفوفهم، وإن سرا، لإعادة الكرة إذا لم تلب دولة المبادرة مطالبهم المشروعة، لكنهم اندثروا بين الفرق المتصارعة، يتوسلون الرضى، ولأن الثائرين لم يدركوا ماذا يعنيه جمعهم، قام منهم النادمون على آمالهم الضائعة بتحركات فردية. واحد يبحث عن ثغرة قانونية، توصله إلى فساد الطبخة، وآخر بقى يشكك بجهود رفيقه الذي توجه نحو المحاكم الدولية: ماذا يريد يطلب العون لاستعادة ثورته المنهوبة، وهل يجد الأحمق أهل القلوب الرحيمة في غير وطنه، وها هي الأيام تمضي، والثائرون لا يجيبون موتاهم.
اتسعت الهوة بينهم وبين الثورة التي تلقوا في أثنائها رصاص الغدر. هل أسكنوا الثورة صدورهم، إذ لم يؤمنوا بتحولها إلى إشراقه كبرى ليمنهم. وكم كانت تضحية أولئك صحيحة، إن لم يخذلهم رفاق دربهم، ومن احتموا خلفهم، ولم يساوموا على دمائهم، وكيف لعديمي الخبرة أن يدركوا أن المبادرة الخليجية لم تأت لحماية مكامن ضعفهم، كما أشاعوا، وإنما طرحت ورقة أولية من زعماء الخليج، لقياس نبضهم، ولإنقاذ عملهم وأنفسهم من شعوبهم المتربصة بنتائج ثورة جيرانهم. وإن قبول الثائرين غير المتوقع لبنود المبادرة خريطة طريق، بقدر ما أدهشت الخليجيين موافقتهم الصامتة، فقد فتحت شهيتهم لمزيد من التدخل غير المجدي لوطنهم. ولكثرة التنافس المحلي على الدولة العائمة في فلكهم، كثرت المراوغات بالوعود، وحصل الارتباك. ولم يشعر جميعهم بغير أن الحوثيين اقتربوا من سدة الحكم. وقبل يغادر صنعاء المشرعون الذين ارتضى اليمنيون أن يشرفوا على صياغة قوانين جمهوريتهم بالنكهة الملكية.
هل اتعظ الثائرون، وبدأوا يصلحون ما أفسدت سذاجتهم، أو رفعوا الأيادي، ليمكّنوا الغزاة من رؤيتهم يصفقون، وثلاثة أعوام لم تكف الشعب، ويستوعبوا الشباب اليمني بأنهم إذا لم ينتفضوا، والآن، ضد كل العابثين بوطنهم، فإن أطنان البارود الذي تلقيها المملكة فوق رؤوسهم لن تحقق آمالهم، حتى وإن صدقت نيات التحالف، فلا يستطيع المنطق الإجابة إن السعودية أو الإمارات تتمنى رؤية اليمن يوما في أفضل حالته.
أيها الشباب اليمني، يكفينا تقاعسا، والوقوف من بلدنا موقف المتفرج. علينا أن نسارع إلى إغلاق ملفنا المتصاعد بأيدينا، فلا نريد راعيا لمآسينا، ولا ثائر يحدد مستقبلنا، ولا وكيل يتحدث بالإنابة، وإن فعلوا.. ألم تسمعوا ماذا يقول هؤلاء للعالم عنا أكثر من نقلهم صورة المعاق، وحاشا أن تكون الإعاقة فينا.
نقلا عن العربي الجديد