اخترنا لكمتراجم وتحليلاتغير مصنف

(نيويورك تايمز).. “صالح” الرئيس الأمي كـ”لاعب خفة” يراقص الثعابين “فاسد بلا مبادئ”

كان ينظر إليه على مستوى العالم أنه فاسد وبلا مبادئ، يهتم أساسا بالثروة والسلطة لنفسه وأقاربه، الذين قام بتثبيتهم في مناصب قوية يمن مونيتور/ صنعاء/ ترجمة خاصة:
عُرف الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح بكونه يعرف كيف ينجو من السياسة في الشرق الأوسط الذي حكم منذ أكثر من ثلاثة عقود وظهر من جديد ليؤدي دورا رئيسيا في الحرب الأهلية المدمرة في بلاده.
وتقول نيويورك تايمز الأمريكيَّة في تقرير لها بعد من مقتله الاثنين إنَّ ظروف مقتله لا تزال غير واضحة، مشيرةً إلى أنه كان مناورا وثعلباً ماكراً في السياسة القبلية المعقدة في اليمن، وهو الذي شبه رئاسته في وقت سابق “بالرقص على رؤوس الثعابين”، لكن مهاراته المكيافيلية وحظه السعيد انتهى في النهاية ولم يجد له مخرج.
وقال مساعدا لـ”صالح” انه توفي بعد انفجار في منزله في صنعاء العاصمة. وقال متمردو الحوثي، حلفاؤه في الحرب في وقت سابق، إنهم قتلوه في كمين في الصحراء.
 
المراوغة حتى في العمر
وفي يوم السبت، كان السيد صالح قد أنهى علناً شراكته ​​مع الحوثيين، ودعا اليمنيين إلى “الدفاع عن الوطن” ضدهم. وكان هذا التحرك هو الأخير في حياته.
وفق معظم الروايات فإن صالح كان يبلغ من العمر 75 عاماً عند مقتله، بالرغم من سيرة رسمية له جعلته أصغر سناً بأربع سنوات أصغر سنا. ولم يكن عمره هو الشيء الوحيد المرن في الحقائق التي أظهرها في حياة حافلة بالأحداث.
 
فاسد وبلا مبادئ
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي “ترجمه يمن مونيتور”، “تركت فترة ولايته الطويلة كزعيم لأفقر البلدان العربية عانت من حرب دورية وأصبحت مرتعا لتنظيم القاعدة، بصمة واضحة المعالم. لكن كان ينظر إليه على مستوى العالم أنه فاسد وبلا مبادئ، يهتم أساسا بالثروة والسلطة لنفسه وأقاربه، الذين قام بتثبيتهم في مناصب قوية”.
ويقول فارع المسلمي، الباحث اليمني ومدير مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية: “إنَّها نهاية مأساوية لـ33 عاماً من الحكم السيئ لليمن”. مشبهاً صالح بصدام حسين ومعمر القذافي قائلاً: شأن اليمن شأن العراق وليبيا انحدر إلى الفوضى جزئياً بسبب فشل صالح في بناء مؤسسات قوية أثناء وجوده في الحكم”.
جيرالد فايرستين، الذي التقى السيد صالح كثيراً أثناء عمله كسفير للولايات المتحدة في اليمن في الفترة من 2010 إلى 2013، وصفه بأنه “غير جدير بالثقة تماما”. لكنه قال إن بعض اليمنيين يقارنون بشكل إيجابي الاستقرار النسبي في بلادهم خلال حكم “صالح” من عام 1978 إلى أوائل عام 2012، عن العنف والانهيار الحالي.
وقال الدبلوماسي الأمريكي “الإيجابي أنه أبقى هذا البلد متماسكاً نوعاً ما”، مشيرا الى “نوع من السيطرة السياسية التي نقلت اليمن إلى الأمام في بعض النواحي”، بما في ذلك التعليم والصحة.
لكن السيد صالح، قال فايرستاين، : “كان من المسؤولين الذين سرقوا المليارات، وربما عشرات المليارات من الدولارات، على مر السنين”. واستند حكمه على تقديس شخصيته، حسب ما قال فايرستاين ولذلك فإن “الحكومة، والنظام القضائي، لم يكن قادرا على العمل بعد ترك منصبه لأنه بنى تلك المؤسسات حوله وحول عائلته.
وفي السنوات الأخيرة من حكم صالح، اجتذبت بلاده القاحلة الفقيرة ذات الـ28 مليون نسمة اهتماماً كبيراً من الولايات المتحدة باعتبارها مصدراً محتملاً للهجمات الإرهابية من فرع تنظيم القاعدة الموجود هناك، المعروف باسم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
 
استخدام القاعدة للحصول على المال
وقد تلقى ما يسمى ب “مهاجم الملابس الداخلية” الذي حاول تفجير طائرة تابعة لشركة ديترويت في عام 2009 تدريبه في اليمن وأرسل من هناك. كما تم اعتراض القنابل المخبأة في خراطيش الطابعة وتحميلها على رحلات البضائع التجارية في طريقها الى شيكاغو في العام اللاحق 2010.
ويبدو أن السيد صالح قد استفاد باستمتاع من النفوذ الذي أعطاه هذا الخطر الإرهابي، واستغل مشاكل بلده ببراعة في التماسه للحصول على مساعدة خارجية. فوفقاً لبرقية دبلوماسية نشرها موقع ويكيليكس، عرض صالح ذات مرة كل الأراضي اليمنية أمام جهود مكافحة الإرهاب الأميركية، ووافق على مواصلة الكذب على شعبه بشأن الضربات الصاروخية الأميركية على القاعدة.
وقال صالح للجنرال ديفيد بترايوس (مدير وكالة الاستخبارات الأمريكيَّة السابق): “سنستمر في القول بأن القنابل هي قنابلنا وليس لكم”.
وقد اغتيل سلفا صالح السابقان بفارق أقل من عام، وعندما تولى السلطة في عام 1978، لم يظن يعتقد إلا قليل جداً أنه سيستمر طويلا. لكنه استخدم مهارات التفاوض الهائلة، وكذلك الرعاية والمكافآت وأحيانا القوة، لدرء التحديات.
 
أحد لاعبي الخفة
وحَكَمَ صالح شمال اليمن حتى عام 1990، عندما وحد الجنوب والشمال لتشكيل الجمهورية اليمنية. نجا من حرب أهلية في عام 1994، وحصل على تصويت معيب في عام 1999 كأول رئيس منتخب مباشرة في اليمن، وبمساعدة أبناءه وأبناء إخوته الذين عينهم في مواقع أمنية مهمة، أصبح الحاكم الأطول خدمة في التاريخ اليمني الحديث.
وقالت باربرا بودين، السفيرة الأميركية لدى اليمن بين 1997 و2001، إنَّ صالح في موازنته بين القبائل المتنافسة، والإسلاميين، والاشتراكيين، والجنوبيين اليمنين، والأجانب الانتهازيين، “كان يشبه أحد لاعبي الخفة هؤلاء الذين يجعلون الأطباق تدور فوق العصي”.
وأضافت: “لقد حافظ على كل الأطباق في الهواء”، واصفة ذلك بأنه “إنجاز سياسي مُعتبر”.
وقد أبدى السيد صالح أحيانا فضول ورغبة في التعلم، كما قالت السيدة بودين. “ففي إحدى المرات عندما وافقت على التحدث إلى اليمنيين الذين كانوا يعقدون مؤتمراً حول العنف المنزلي – وهو موضوع يحتمل أن يكون حساساَ في مجتمع مسلم محافظ – حصل صالح على كلمتها بشأن واستدعاها.
وقالت “كان يجلس في إحدى مقصوراته، وقال: أخبريني بشأن هذا الموضوع”. “بدأنا مناقشة استمرت ثلاث ساعات حول العنف المنزلي والدور المناسب للدولة فيما يتعلَّق بالتدخل في العلاقات بين الزوج والزوجة. وسأل: ما هو مأوى العنف المنزلي؟ لم يكن يمنحني دروساً، لقد كان يحاول حقاً أن يفهم”.
تعرض صالح للتحدي عندما وصلت الحماسة المؤيدة للديمقراطية التي أطاحت بقادة تونس ومصر إلى اليمن في مطلع عام 2011. كانت هناك أشهر من المظاهرات الجماهيرية، مما دفعه إلى فرض العنف ضد المتظاهرين، ما كلفه دعم قوات عسكرية وانشق مسؤولون حكوميون ودبلوماسيون.
 
شبكات قبلية
ورد صالح، الذي تعر ض لضغوط في الداخل والخارج لمغادرة البلاد، بتحد شرس مستخدماً تكتيكات مماطِلة، وتعهد بالتنحي ثم تراجع في اللحظة الأخيرة.
وحين استهدف مسجد دار الرئاسة بتفجير في يونيو/حزيران 2011، أفادت تقارير كاذبه بأنه قُتل. وقد تعرض لحروق شديدة وحصل على علاجٍ طبي في السعودية والولايات المتحدة. وتخلَّى عن الرئاسة في فبراير/شباط 2012 بعد أشهر فقط من ضغط خصومه القبليين المسلحين، والاحتجاجات في الشوارع، والمجتمع الدولي.
ومع ذلك، تمسك بشبكات قبلية وواصل ممارسة السلطة من خلف الكواليس، مقوضاً حكم نائبه السابق وخلفه، عبد ربه منصور هادي. وعندما اجتاحت ميليشيا الحوثي، التي هاجمها صالح مراراً في السنوات الماضية، العاصمة اليمنية والمدن الكبرى الأخرى، فاجأ الكثير من اليمنيين بإقامة تحالف مع مقاتلي الحوثي ضد هادي، الذي حظي بدعم السعودية. ورأى البعض يد إيران خلف ذلك التحالف بين الحوثيين وصالح، والذي استمر منذ 2014 حتى الأسبوع الماضي.
 
شارك في قتل سلفه
ووُلِد صالح في قبيلة سنحان في بيت الأحمر، وهي قرية زراعية شمالي اليمن. ومثل العديد من رجال قبيلة سنحان، التحق بالجيش كمراهق بتعليم أقل من المدرسة الابتدائية. ووقف صالح الذي كان مُقرَّباً من المُقدّم أحمد حسين الغشمي، مع انقلاب عسكري في عام 1974 أدَّى إلى تعيينه قائداً عسكرياً للواء تعز في 1975. وفي عام 1977، اغتيل القائد العسكري، إبراهيم الحمدي، وتولَّى الغشمي السلطة.
قال روبرت بورويس، الأستاذ المتقاعد بجامعة واشنطن والذي سافر بانتظامٍ إلى اليمن منذ 1975: “دعم صالح بوضوح عملية الاغتيال، ووفق بعض الروايات، كان له يد بشكل حرفي في العملية”. واغتيل ا الغشمي بعد ذلك بأقل من عام، ما فتح الطريق أما صالح لتولي السلطة.
وقال الأستاذ بورويس: “حين وصل للسلطة، سخر الناس منه. وكان الكثير من اليمنيين يعتبرونه شخصاً ضعيفاً لن يستمر، ورجلاً قبلياً شبه أمي بالكاد يمكنه إلقاء خطاب.
وكان مدير عمليات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في اليمن يراهن أنَّ صالح سيكون خارج السلطة بحلول ربيع 1979”.
وقال بورويس، إنَّ صالح تواصل مع السياسيين اليمنيين المخضرمين من أجل النصيحة والدعم وعين طبقة جديدة من التكنوقراط. وأضاف: “ولسبب نفسي ما، لم يشعر أنَّهم يمثلون تهديداً له”.
ووفق معظم الروايات، لم يكن صالح متديناً، لكنَّه اهتم بالسيطرة على الإسلاميين الذين ازدهروا في إطار الثقافة الدينية اليمنية. وحين عاد الرجال اليمنيون الذين قاتلوا ضد الجيش السوفييتي في أفغانستان إلى بلادهم في التسعينيات، رأى أنَّهم اندمجوا داخل القوى الأمنية. ولم يُصعِّد القتال ضد تنظيم القاعدة إلا بعدما بدأ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يهاجم نظامه.
رقَّى صالح رفاقه من قبيلة سنحان الذين يخدمون في الجيش والقوات الأمنية، ومن بينهم ولده أحمد علي عبد الله صالح، الذي كان مسؤولاً عن قوات الحرس الجمهوري، وهي قوات نخبة، وابن أخيه، يحيى صالح، الذي عمل عن كثب مع الولايات المتحدة فيما يتعلَّق بمكافحة الإرهاب.
ويوم السبت، 2ديسمبر/كانون الأول، تحدث صالح علناً عن تغيير ولاءاته مرةً أخرى، فتخلَّى عن الحوثيين وتواصل مع السعودية وقوى إقليمية أخرى قاتل ضدها لثلاث سنواتٍ مع حملة قصفٍ مُدمِّرة.
وقال صالح في خطابٍ متلفز: “سنفتح معهم صفحة جديدة للتعامل معهم بحكم الجوار”. لكنَّ أوراق قصته الطويلة، التي صمدت في وجه الكثير من الأزمات، قد نفدت.
المصدر الرئيس
Ali Abdullah Saleh, Strongman Who Helped Unite Yemen, and Divide It, Dies at 75

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى