حين قُتل صالح قبل أيام في منزله، اتضح أن الذين دافعوا عنه قلة من المقربين منه، رجال من أسرته ومرافقيه، لنقع كلنا في مصيدة الذهول من التضاؤل الكبير للحشود العارمة حتى أنه لم تخرج إلا النساء للمطالبة بجثمان الرئيس الراحل.
التوافد المكثف لجماهير صالح كان من كل مكان، لم يكن الأول خلال الحرب، لكنه كان الأخير.
قبل أربعة أشهر، ازدحم ميدان السبعين بالجماهير على آخره، لقد استدعى الرئيس السابق علي صالح تاريخًا مهملًا لاستعراض جماهيريته، كان التاريخ 24 أغسطس ذكرى تأسيس حزب المؤتمر. حشود صالح تلك؛ حملت الإشارات للخارج والداخل أن الرجل ما يزال يمتلك القوة العسكرية والسياسية في صنعاء.
لكن حين قُتل صالح قبل أيام في منزله، اتضح أن الذين دافعوا عنه قلة من المقربين منه، رجال من أسرته ومرافقيه، لنقع كلنا في مصيدة الذهول من التضاؤل الكبير للحشود العارمة حتى أنه لم تخرج إلا النساء للمطالبة بجثمان الرئيس الراحل.
الاستعراض الجماهيري لم يغير من وقائع الأرض.
الحوثيون يستدعون ذكريات مهملة من الإرث السلالي لاستعراض الجماهير كـ«مولد النبي، مقتل الحسين، مقتل زين العابدين، يوم الغدير.. إلخ»
اخضرت صنعاء حين اتحدت جماهير المؤتمر بجماهير الحوثيين واحمرّت حين انفض الاتحاد.
بحسب تصريحات قيادات الحوثي خلال هذا الأسبوع، فإن صالح كان ينوي الانقلاب عليهم في أغسطس، ومن هذه الفترة بدأوا يتضاغنون حد الاشتباك في اليوم الذي احتشدت فيها الجماهير الغفيرة للحوثي في ذات الميدان للاحتفال بمولد النبي.
الحشد والحشد المضاد في صنعاء، لم يضف لأي طرف مشروع القيادة لحليفي الأمس، وكأن صنعاء مدينة الحشود الزائفة.
توماس كارليل كان يرى أن الجمهور يتألف «من أرواح مبهمة، متوحشة، تتنازع هناك مع ضجيج غير مفهوم، كمخلوقات بكماء تتألم غير قادرة على الإفصاح عما بداخلها»
أما ماكليلاند فهو يراهم بأنهم يصرخون «من أجل الدماء في الميدان».
هذا ما بدا خلال الاستعراض في صنعاء.
حتى العدد الضئيل سيبدو مستحيلًا الآن لخروج قلة من المؤتمر، تحت وطأة النكال الذي يحيق بهم داخل صنعاء.
ولّى زمن الجماهير في العاصمة. لا قيمة للجماهير التي تحشدها بالمال نكاية بطرف سياسي، ولا قيمة لها إذ تحتشد لاستعراض طائفي. الجماهير التي تتوافد رهبة منك لا رغبة فيك لا قيمة لها وإن أثارتها جلجلة الخُطب.
الحقيقيون يفصحون عما بداخلهم لا يصرخون من أجل الدماء.
الجماهير الحقيقية كانت في الساحات في 2011، كانوا يملكون أحلامًا بغد أفضل، بدولة مدنية، وكان يصرخون: سلمية وتضرب بالنار. لا قدسوا شخصًا ولا استدعوا موروثًا دينيًا ليحتفلوا به، خسروا الكثير من المنافع، واحد من أبناء قريتي خسر مشروعه التجاري، آخر فقد وظيفته، استشهد أستاذ الأحياء، أصيب الكثير من الشباب، كانوا يذهبون لساحة الحرية من تلقاء أنفسهم ينامون هناك، شهدوا حادثة المحرقة. يحيى واحد من أبناء القرية الذين اعتقلتهم قوات الأمن التابعة لقيران التابعة لنظام الرئيس الراحل، تعرض للضرب المبرح، نعرفه متحاملًا على الرئيس منذ كان صغيرًا، حين علم بمقتل صالح بدا حزينًا، التفاصيل المرعبة وتشفي القتلة جعلتنا عاطفيين، سمعت يحيى يواسي أحد المؤتمريين الذين أيدوا الحوثي من قبل: «كلنا حزانى.. أقسم أني لم أنم من يوم مقتله.. أنا خرجت وقلت ارحل نعم، كان قصدي أن يأكل مليارات الشعب ويترك لنا فرصة للتغيير، لن يذهب دمه هدرًا».
هذه هي الجماهير التي لم يكن لديها مشروع ميدان السبعين ولا مشروع شارع المطار. وإنما مشروع الدولة الحلم الذي كانوا ينادون به من شارع الستين.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.