كتابات خاصة

قرآن يرتب جدولنا اليومي

عبدالله القيسي

كم يحتاج الإنسان من ساعات لعمله بحسب المتفق عليه عالميا، وكم يحتاج من ساعات لراحته، وكم يحتاج من ساعات لنومه بحسب ما يقوله الأطباء، ومتى تكون تلك الساعات من الليل أو النهار وهل هناك فرق بين أن تكون في هذا الوقت أو غيره؟ 

كم يحتاج الإنسان من ساعات لعمله بحسب المتفق عليه عالميا، وكم يحتاج من ساعات لراحته، وكم يحتاج من ساعات لنومه بحسب ما يقوله الأطباء، ومتى تكون تلك الساعات من الليل أو النهار وهل هناك فرق بين أن تكون في هذا الوقت أو غيره؟ هل المهم هو عدد الساعات أم لابد أن توافق وقتا محددا كي تحقق فائدة وانسجاما أكثر؟
أعرف أنها أسئلة بسيطة ولكننا في زحمة الحياة لم نعط كل ذي حق حقه من تلك الأقسام فأرهقت أجسامنا واضطربت أنفسنا وكلت أجسادنا وتعبت، وتداخل الوقت في حياتنا، واختل الانسجام بيننا وبين نظام الكون في الليل والنهار.
إن جسم الإنسان البسيط مركب كي ينسجم مع الكون من حوله، ذلك الكون الذي يعمل بقوانين دقيقة، يعتبر الإنسان جزءا منه ويعمل داخل قوانينه، وتقلب الأرض بين الليل والنهار جزء من قوانينه كذلك ولها علاقة بالنظام اليومي للإنسان.
إن المتأمل في كتاب خالق الكون وواضع قوانينه يجد أنه جعل نظامنا اليومي مقسما بين ثلاثة أشياء أساسية، هي العمل والتزود والنوم، فهي مقسمة على ساعات اليوم التي مجموعها 24 ساعة بالتساوي، 8،8،8، فجعل الله النهار معاشا والليل لباسا والنوم سباتا، أي أنه قسم الزمن إلى ثلاثة: قسم للمعاش قسم للستر والزاد وقسم لراحة البدن بالنوم, فقال (وهو الذي جعل لكم الليل لباسا) ساترا لكم كاللباس (والنوم سباتا) راحة للأبدان بقطع الأعمال (وجعل النهار نشورا) منشورا فيه لابتغاء الرزق، وقال تعالى: (وجعلنا نومكم سباتا) راحة لأبدانكم (وجعلنا الليل لباسا) ساترا بسواده (وجعلنا النهار معاشا) وقتا للمعاش.
والإنسان أي إنسان يحتاج في حياته لتلك الأساسيات ثلاثة، وقت يعمل فيه ووقت يتزود فيه ووقت ينام فيه، وهذه الأوقات لا بد أن تكون منسجمة مع هذا نظام الكون في الليل والنهار، فالنهار للعمل، والمساء للزاد، والليل للنوم، ولكن كيف أشار القرآن إلى ذلك؟
سأبدأ أولا بالحديث عن وقت الزاد وما هو المقصود بالزاد لأن فيه إشارة أوضح، ثم أذكر ما بعده من وقت للنوم ثم وقت للعمل:
1- وقت الراحة والزاد: وفي هذا الوقت تكون الصلوات وتكون الزيارات ويكون فيها التزود الذاتي في شتى المجالات وهو يمتد لمدة ثمان ساعات، وهو الوقت الممتد من الظهيرة إلى العشاء، ولذا كانت كل الصلوات فيه عدا الفجر .. والإشارة القرآنية لهذا الوقت نجدها في قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً [الإسراء : 78]. ودلوك الشمس هو وقت زوالها إلى الغروب قليلا بعد أن كانت في كبد السماء، وغسق الليل هو دخول الظلام الشديد بعد ذهاب الشفق الأحمر المتبقي من أثر الشمس بعد غروبها. فهذا الوقت الممتد من دلوك الشمس أي حوالي الساعة 12.30 مساء بتوقيت مكة إلى الساعة 8 مساء بتوقيت مكة يكون وقت تلك الصلوات الأربع من الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
وفي هذا الوقت لا يقتصر الزاد فقط على الزاد الروحي لأنه لن يستغرق الوقت كله، وإنما يدخل فيه الزاد الاجتماعي بزيارة الناس والجلوس معهم ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم، والزاد الأسري بالجلوس مع الأهل ومشاركتهم همومهم، والزاد الفكري والعلمي بالتزود من العلم والمعرفة وتطوير المهارات..الخ
2- وقت النوم : تقول الدراسات اليوم أن الإنسان يحتاج لراحة بدنه بالنوم زمنا لا يقل عن ست ساعات فيرهق ولا يزيد عن ثمان ساعات فيخمل ولا تدخل الحالات النادرة التي ربما تحتاج لساعات أقل للنوم .. ولو تأملنا في الآية السابقة لوجدنا أن القرآن حدد وقت النوم من حين اشتداد الظلام إلى الفجر بما يتفق وذلك العدد، أي تقريبا من الساعة 8 مساء إلى الساعة الرابعة صباحا.. والآية التي تشير إلى وقت النوم وساعاتها هي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [النور : 58] فالآية جعلت وقت قبل الفجر وبعد العشاء هو وقت وضع الثياب للنوم، وهو الوقت الأنسب للنوم، وذكرت وقتا قصيرا يقيل فيه الإنسان بعد العودة مرهقا من عمله وهو وقت الظهيرة أي حين تكون الشمس في وسط السماء، ومعروف اليوم أن الشمس في تلك اللحظة تكون مؤثرة وخاصة في المناطق الحارة وعلى صحة الإنسان فينصح بعدم المشي تحتها في ذلك الوقت..
3- وقت العمل والمعاش: أما وقت المعاش فهو النهار، وهو أول النهار تحديدا من بعد الفجر مباشرة إلى وقت الظهيرة، فبعد أن ينهض الإنسان من نومه نشيطا يتجهز ويرتب نفسه ثم يبدأ يومه بركعتي الفجر لينطلق بعدها إلى عمله، ولا ترغيب في هذا الوقت بالنوافل (أي وقت العمل) فلا صلاة بعد صلاة الفجر، حتى يعطي كل شيء حقه، فهو وقت عمل وإنجاز.. ولو تأملنا ساعات العمل تلك من بعد الفجر مباشرة إلى وقت الظهيرة لوجدناها لا تقل عن ست ساعات، وهي الساعات التي يمكن للإنسان أن ينجز فيها ولو زدناها لأرهقنا الإنسان ولحمّلناه فوق طاقته، ولو أن الإنسان أتقن فيها العمل فإنه سينجز فيها الكثير، ولذا اعتمدت دول أوروبا مؤخرا ست ساعات للعمل فقط بدلا عن ثمان ساعات والتي لا زالت تعتمدها دول أخرى في آسيا.
حين حكيت ذلك لصديقي العائد من ألمانيا قال لي: هل تعلم أن ما تقوله يقترب من تقسيم الوقت عندهم كثيرا، إلا أنهم عندهم مقسم بالساعات، فلا تكاد تجد الناس منذ التاسعة مساء فالكل نيام، وفي الصباح ينشطون للرياضة قبل الذهاب لأعمالهم.. وما تلاحظه من السهر الجماعي هو في مجتمعاتنا للأسف، وهناك ما اضطرهم لذلك وهو أن راتبهم في عمل الصباح لا يكفي فيلجأون إلى أعمال إضافية، أما في ألمانيا فهي وظيفة واحدة راتبها يكفيه لكل شئون حياته، ورحلاته وترفيهه وعلاجه..
حين اختل وقت العمل تراجعنا ماديا وحين اختل وقت الراحة والزاد تراجعنا روحيا وفكريا واجتماعيا، وحين اختل نظام النوم أرهقت أجسادنا وضعف عملنا وإنتاجنا وضعف زادنا الروحي والعقلي..
إن المسألة ليست بحاجة إلى قرار فردي لأن الفرد مرغم بأن يكون ضمن نسق اجتماعي تسيره الدولة، ولذا فإن الحل هو القرار الجماعي الذي تتخذه الدولة وتسير أمور الدولة عبر ذلك النظام، فإن لم تستطع الدولة تنظيم ذلك فعلينا أن نحافظ على الحد الأدنى بأن يأخذ كل وقت حظه أي ثمانية ثمانية ثمانية في أي وقت كان من أوقات اليوم.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى