فجر المحافظ عبد العزيز المفلحي عاصفة من الأحاديث في خطاب استقالة مفعم بلغة هجومية حادة ومتعطش للضوء المفقود في زاويا احتجابه عن المشهد الميداني.
فجر المحافظ عبد العزيز المفلحي عاصفة من الأحاديث في خطاب استقالة مفعم بلغة هجومية حادة ومتعطش للضوء المفقود في زاويا احتجابه عن المشهد الميداني.
منذ تعيينه محافظا لعدن في…. 2016 مثل المفلحي عنوانا لتغيير لطالما انتظره الشارع العدني التواق للخلاص من نزعة صدامية وعدائية مع التاريخ والمنطق والسياسة ومع مصالح عدن والبلد حاضرا ومستقبلا.
وقف الكثيرون إعجابا بقرار شجاع اتخذه هادي لتغيير محافظ عدن في وقت ظن الجميع أن المدينة التاريخية عاصمة التحول اليمني في التاريخ المعاصر وحاضن المشروع الوطني قد خرجت عن سياق العقل وتفلت زمامها من يد القيادة الشرعية.
مرت الأيام ثقيلة وبطيئة وتلتها أسابيع ثم أشهر ولازال الشارع ينتظر بصبر للفارس القادم من بيئة الأعمال والاستثمار ليرسم لوحة جديدة ومشرقة في صفحة عدن التي عكرها كل شيء وامتلأت بكل شيء سوى الإنجاز الذي ينتظره الناس لكن المحافظ المفلحي ظل قابعا في ركن قصي في احدى غرف قصر المعاشيق أكثر ما أتيح له إطلالة من نافذة الغرفة على شمس عدن الدافئة ينظر إلى أفق مغلق وطريق مسدود إلى مقر المحافظة في رواية تعطيل بائسة الجميع يعرف تفاصيلها ومراحلها وشخوصها.
لم يختبر أداء الرجل في قيادة العاصمة المؤقتة وفي إدارة الشأن العام وفي ظروف حرب ضروس تلقي بأوزارها وجنونها على عاتق البلد المنهك والفقير كلما عرف عنه انه قادم من بيئة الأعمال الناجحة ويمتاز بخطاب ساحر وحضور مميز وأنه ابن يافع التاريخ والحضارة وحمير العظيمة كل ذلك كان موضع اختبار مؤجل حتى يمكَّن الرجل من وظيفته من دون قيود ومن دون تعطيل.
المفلحي الإداري الناجح اكتسب في حياته مهارات السياسة وما كان لرجل ذاك شانه أن يفتقر لروح المبادرة يدرك أن الوقت حساس وحيوي وصورته المنقذة تتآكل ويتكدس عليها ركام الغبار، وتوشك أن توضع في زاوية النسيان من شارع تفاءل آمالا عريضة بمقدمه كان عليه أن يكسر الحصار الجغرافي الذي حشره في زاوية غرفة ضيقة من غرف القصر الرئاسي كما كتب الصحفي فتحي بن لزرق ذات مرة.
قرر الرجل أن يناور بذكاء في فضاء السياسة المفتوح وبدأ قويا في أحاديث محدودة لكن مضامينها وطنية وإنسانية خاطبت هموم الشارع العدني على وجه خاص واليمني بشكل عام وجعلت منه بطلا قبل أن ينجز شيئا.
مناورة ذكية وضع فيها المفلحي كثيرا من النقاط صرح وألمح للأفراد والجهات التي تعطل تنمية عدن ومن يعيق عمله كمحافظ ويحول من دون تمكينه من علمه ومن أدوات العمل بل ومن حاول اغتياله أربع مرات في فترة وجيزة.
حتى هذه اللحظة لا زال السياق يخدم الرجل في تفاصيل كثيرة لكن الحضور الذي صنعه في زمن قياسي أعطاه حجما ربما فاق ما كان يتصور وربما أيضا اثار مخاوف دوائر معينة من رصيد يتنامى للمفلحي الذي احبه من سمعه من دون لمسة إنجاز تطفئ ظمأ عدن بقليل من الماء أو نسمة من هواء يحملها تيار الكهرباء تبدد قيض يوم عدني صائف.
في هذا التوقيت كان رجل آخر يعمل بطاقة كبيرة ليلملم شتات الإدارة والسياسة والاقتصاد في بلد مزقته الآراء والأفكار والتوجهات ولا زالت تفعل وتفتك به الحرب وأغرقته في سيل من الأزمات والمشكلات؛ كان ذلك الرجل هو احمد عبيد بن دغر رئيس الحكومة.
لم يلجأ بن دغر لمناورة سياسة وخطابية يستهوي بها الشارع اليمني كما فعل المفلحي ولا أظن أستاذ التاريخ والمتمرس في عالم السياسية والإدارة والعمل الحكومي تنقصه القدرة لفعل ذلك لكننا رأيناه مهتم بإنجاز اختراقات كبيرة في جدران الأزمات لتتمكن الحكومة من الصمود والاستمرار وليتمكن البلد من الحفاظ على قدر من الاتزان والتهيئة لتحول تدريجي يسمح بتثبيت واقع ميداني راسخ للشرعية تستطيع بها أن تدافع عن خيارات اليمنيين تواصل بها مواجهة مشروع الانقلاب.
وفي اليمن حيث المناورات السياسية مكشوفة وكل ما يجري داخل الكواليس وتحت الطاولات يجد طريقه إلى مسامع الناس لم نسمع عن خلافات بين قيادة السلطة المحلية في عدن (المفلحي) وبين الحكومة ولم يتحدث أحد عن دور للحكومة في إفشال محافظ عدن أو سرقة الضوء الذي إنارة لأبناء عدن أو تبخير الماء إلى أجراه ليروي عطش المدينة..
بهدوئه المعهود قاوم بن دغر عواصف هوجاء يعرف اليمنيون من يثيرها لتعميق أزمات البلد وصناعة مشكلات جسام تثني الشرعية والشعب عن مواجهة الأزمة الرئيسة التي جلبت كل هذا الدمار والشقاء والويلات لليمن والمتمثلة بكارثة الانقلاب والحرب التي فجرها الحوثيون في كل جغرافيا اليمن.
وفي لحظات حرجة خفقت فيها قلوب اليمنيين من نزعات حادة مدعومة بترسانة من السلاح ومدججة بخطاب الكراهية والإقصاء وتأخذ عدن واليمن إلى واقع مظلم تحدث بن بدغر بخطاب تاريخي مسؤول وتحمل مسؤوليته كرئيس للحكومة اليمنية التي تمثل مصالح كل أبناء اليمن تصرف الرجل بروح المسؤولية الوطنية وبشجاعة فارس متمرس وبكفاءة قائد محنك محذرا من سحابة سوداء تخيم في الأفق وتوشك أن تغرق البلد في ظلام دامي.
بدا أن أطراف الشرعية ومسؤوليها في صمت مطبق ترقبا لمتغيرات من شانها أن تضرب ما تبقى من استقرار اليمن لكن بن دغر خاطب الشارع اليمني بدءً بعدن العاصمة المؤقتة وحملت تحركاته وأحاديثه رسائل واضحة وقوية لكل أطراف العمل السياسي والمسلح ولدول التحالف العربي أن استقرار اليمن مبني على مرجعيات ثلاث تحافظ على وحدة اليمن واستقراره ومصالح كل أبنائه وأن أي إخلال بتلك الثوابت والمرجعيات يضع المنطقة في مستوى خطير من الصراع المدمر والمضر بالأمن القومي العربي وبأمن العالم.
أثمرت تحركات بن دغر في وضع حد لمخاوف اجتاحت الشارع اليمني والعدني بوجه خاص واستوعبت تناقضات كثيرة في المشهد المزدحم بالأسماء والمشروعات المتصادمة ومرت مناسبات تلو أخرى ووصل الجميع إلى 14 أكتوبر ذكرى الثورة المجيدة ضد الاستعمار البريطاني بسلام وأمان.
بل ومثلت ذكر أكتوبر تحول كبير في أداء بن دغر بتنظيم عرض عسكري ولأول مرة في عدن منذ سنوات وتحت راية علم الجمهورية اليمنية في رسالة قوية وجلية أن خيار الشعب اليمني هو ما تناضل من أجله الشرعية.
فرض بن دغر معادلة اليمن الكبير على توجهات مصبوغة بمشاريع صغيرة واقنع الشارع الذي ينتظر الكثير والكثير من الإنجازات وتعوزه الخدمات أن الضجيج العالي والصاخب لبعض التيارات سيتهاوى ويتضاءل ويخفت وان البقاء لمشروع اليمن الاتحادي الذي يقوده الرئيس عبد ربه منصور هادي وكان إنجازا لحوار شاركت فيه القوى اليمنية شمالا وجنوبا.
من غير اللائق لسياسي أو رجل دولة أن يتجاهل أثر ونتائج تحركات بن دغر في تعزيز الهوية اليمنية في الشارع المضطرب جنوبا وشمالا ونجاحها في استمالة ما نفرته سياسات سابقة ودفعته للقبول بتوجهات تغاير المشروع الوطني الجامع حتى أن الشارع العدني والجنوبي بشكل عام ظهر وبوضوح أكثر ميلا وحرصا على دعم الشرعية معبرا عن ذلكم الموقف في تجاهل دعوات متكررة وملحة من انتقالي عيدروس لحضور مهرجانات خطابية في عدن وغيرها من المحافظات
نعم الإنجاز بطيء وشحيح وأيادي بن دغر مغلولة بقلة الموارد وتعاظم المسؤوليات وتفاقم تدهور الخدمات لكن الشارع لمس إصرار بن دغر وصدقه في وضع المعالجات والبحث عن الحلول لدى شركاء النضال والعمل السياسي في الداخل ولدى المحيط الإقليمي الداعم اتساقا مع توجه قيادة اليمن الشرعية.
ورغم حدة الشحن المناطقي الذي ارتفع منسوبه إلى مدى غير مسبوق وتلك المحاولات التي لازالت مستمرة لتفكيك المشروع الوطني اليمني والهجوم الذي تلقته الشريعة وبالأخص رئيس الحكومة لم يتحدث المحافظ المفلحي وكأنه مسؤول من كوكب آخر.
غير أن صمت المفلحي لم يستمر ومع بوادر انفراج جديد للشرعية بلقاء جمع الرئيس هادي مع ولي العهد بالمملكة العربية السعودية وهو اللقاء الذي أثمر توافقا على دعم اقتصادي كبير من المملكة لليمن وما يعنيه من دعم سياسي للقيادة الشرعية أثارت استقالة المفلحي والهجوم غير المبرر رئيس الحكومة علامات استفهام كبيرة عن التوقيت والدلالات السياسية والأهداف الخفية من ورائه؟
تفترض الوقائع أن المفلحي موظف حكومي رفيع بدرجة محافظ العاصمة الموقتة عدن ورئيس سلطتها المحلية وانه مسؤول أمام رئيس الحكومة وليس أكبر منه وانهما الاثنان مسؤولان أمام رئيس الجمهورية واي تعارض في الصلاحيات محكوم بدستور وقوانين ناظمة
واي تنازع ينشا هناك قنوات رسمية ودستورية وقانونية لضبطه وفق إيقاع رصين يجنب البلد (خاصة في ظل ظروف الحرب وتداعياتها) أي مسع لاستمرار منهج الإدارة بالأزمات.
أتساءل ومؤكد غيري فعل وسيفعل لماذا وكيف يتهم محافظ رئيس حكومة بالفساد لأنه مارس سلطة دستورية في صرف موارد مالية خاصة بالدولة لصالح مشروع حكومي يخدم المجتمع كان لهجوم المفلحي أن يكون مقبولا ووطنيا لو انه اثبت أن رئيس الحكومة بدد الأموال الشحيحة في منافع شخصية بدلا من توظيفها لمصلحة البلد.. غير اننا ومنذ شهور نتابع كيف يعمل رئيس الحكومة ليل نهار لتامين عشرات الملايين من الدولارات لشراء وقود لمحطات الكهرباء والمياه في عدن وغيرها من المحافظات المحررة ولتوفير وقود السيارات سيقول قائل وما وظيفة رئيس الحكومة إذن؟
نعم هي من المسلمات أن يقوم رئيس الوزراء وفريقه بالسهر على مصالح المجتمع وتوفير الخدمات لكننا في ظروف حرب وخزينة فارغة ولازلنا نذكر بيان محافظ البنك المركزي القعيطي قبل بضعة أشهر الذي شكا فيه من عدم توريد الإيرادات إلى البنك المركزي وعرقلة وصول الأموال اليه من الخارج كل ذلك في وقت كانت السياسة والخلافات هنا وهناك حائطا وسدا منيعا أمام تدفق المساعدات للحكومة
وبرغم ذلك اجتهدت بن دغر في توفير ما أمكن من الأموال لتامين الحد الأدنى من الخدمات والعمل على تحسينها بل والتوجيه بصرف رواتب الموظفين في تعز والنازحين من موظفي الدولة من محافظات خاضعة لسيطرة الانقلابيين، وتامين الأموال المطلوبة لعلاج الجرحى والمبتعثين في الخارج
كل تلك الأزمات كافية لإشغال رئيس الحكومة بإيجاد الحلول وسد الثغرات غير أن هم اليمن ومستقبله ومواجهة محاولات تفكيكه وتلغيمه هي من أوليات بن دغر الذي وجدناه مدافعا قويا من وموقعه كرئيس حكومة لم يقبل المساومة على الثوابت الوطنية.
لم يطلب أحد من المفلحي تقديم تبريرات وتفسيرات لعدم إنجازه شيئا منذ تعيينه لأن السبب واضح لنا جميعا لكن غير الواضح لمن يقدم المفلحي خدماته بالهجوم على بن دغر؟
وهل سنجازف قولا إن المفلحي يحاول أن يقفز إلى الأعلى؟ ومدركا أن من حقه أن يفعل ذلك، سواء بإيعاز أو من دون ذلك لكن ليس مقبولا أن يلجا لتشويه صورة بن دغر الذي أعاد الأمل للشارع بوجود سلطة شرعية كاد اليمنيون ينسوا وجودها لطول غياب عن همومهم وحاجاتهم
فلماذا يصر المفلحي على أن يطلق السهم الأول ضد رئيس الحكومة من كنانة قد تكون مجهولة إلى الآن لكن حاملها حتما لن يختفي كل الوقت
توجيه هادي بتشكيل لجنة لاستلام مقر إدارة المحافظة وسكن المحافظ مثل إرشادا للمفلحي وللشارع المتفاعل مع استقالته إلى سبب الوجع وكأن هادي يقول إلى هناك يا مفلحي تُرمى سهام النقد والتخوين.
وحسنا فعل الرئيس برفض استقالة المفلحي وإصراره على تمكينه من خدمة عدن برئاسة سلطتها المحلية غير إنني اعتقد أن الموقف الرئاسي الذي يرفض بالنتيجة حيثيات الاستقالة لن يتوقف هنا وسيكتمل بإعادة الاعتبار لرئيس الحكومة وإزالة هذا اللبس الناتج عن الاستقالة.
ولا زلت ويقينا كما الشارع اليمني بانتظار عودة الرئيس إلى عدن ليمارس سلطاته الشريعة من العاصمة المؤقتة وبعودته سيستقيم الأمر ويصحح ما اختل منه.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.