اخترنا لكمتراجم وتحليلاتغير مصنف

تحولات الحرب والسياسة في اليمن والمنطقة بعد إطلاق الحوثيين صاروخ على الرياض (تحليل)

تحليل استراتيجي حول تداعيات إطلاق الحوثيين صاروخ بالستي على الرياض- ضمن إطارين- المعركة الإقليمية وتوسعها وزيادة حدتها والتداعيات الداخلية ومستقبل عملية السلام. يمن مونيتور/ تحليل خاص/ من عدنان هاشم:
في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أطلق الحوثيون صاروخاً بالستياً على العاصمة السعودية الرياض، وبالرغم من اعتراضه فوق مطار الملك خالد ولم يرتكب أي أضرار إلا أنَّ وصوله إلى هذه النقطة للمرة الأولى كانت مفاجأة غيَّرت تركيبة الحرب ووجهة التحالف العربي، واستخدمته السياسة السعودية بشكل جيد دولياً ومحلياً.
منذ مارس/آذار 2015 كانت الحرب اليمنية تستعر حيناً وتتوقف أخرى، لكنها ومنذ بداية العام الحالي كانت على الحدود السعودية الأشد شراسة والأكثر تأثيراً، سيطر الحوثيون-حسب مزاعمهم- على قرى حدودية وهاجموا بقوارب مفخخة مصفاة نفط سعودية وأطلقوا صاروخاً بالستياً على منشأة نفطية قُرب الرياض. تزايدت الصواريخ البالستية المُطلقة على الرياض أضعافاً منذ بداية هذا العام مقارنة بعامي 2015 و2016م.
يلخص هذا التحليل تداعيات وصول هذا الصاروخ البالستي إلى الرياض ضمن معادلة الحرب الداخلية والتوترات الإقليميَّة المصاحبة. حيث رفع حِدة التوتر -المرتفعة أصلاً- بين السعودية وإيران واتهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان طهران بشن عدوان مباشر بمساعدة الحوثيين بإطلاق الصاروخ البالستي باتجاه الرياض، وجه التحالف العربي في بيان منفصل اليوم التالي أصابع الاتهام لإيران وحزب الله اللبناني، كان ذلك بعد يوم واحد من إعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته من الرياض؛ فاشتبكت الملفات ببعضها وأصبح الملف اليمني يحتوي أكثر الإشكال.
 
معركة خطابية إقليمية
فأول تلك التداعيات كانت المعركة الخطابية الواسعة، إذ أنَّ الحرب في اليمن تحدد مستقبل المملكة العربية السعودية في سياستها الخارجية -وقد تُشكل السياسة الداخلية- فهذه الجغرافيا الحساسة -اليمن- ذات تأثير رئيس على الأمن القومي السعودي؛ وتدرك المملكة ظهور رئيس الحرس الثوري على شاشة تلفزيون الحوثيين للمرة الأولى، قبل أيام من إطلاق الصاروخ البالستي على الرياض؛ فالجماعة المسلحة اليمنية وثقت علاقات أقوى مع إيران فلم تكن بهذه المتانة قبل الحرب؛ ليشتبك وضعها بالسياسة في لبنان التي تبدو مختلفة، لكن الرياض ترى أنَّ من المستحيل بقاء حليفها اللبناني (تيار المستقبل الذي يرأسه الحريري) على تحالف مع عدوها الذي يقوم بعمليات على الحدود السعودية ممثلاً بحزب الله اللبناني.
ويقول دبلوماسي خليجي، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، لـ”يمن مونيتور”، إنّ الرياض تخوض معارك واسعة لحسم معركة اليمن بسرعة، فتأجيج الملف اللبناني يجعل المجتمع الدولي يذهب باتجاه الضغط على إيران وحزب الله ترك مساندة الحوثيين، “فكما تستطيعون تهديد أمننا القومي في اليمن يمكننا استهداف جماعتكم الرئيسية في لبنان والتي تخوض معارك في اليمن ولبنان وسوريا والعراق”. مشيراً إلى أنَّ “إطلاق الصاروخ البالستي والتأكيدات على كونه إيراني من الولايات المتحدة الأمريكيَّة فرصة مناسبة من أجل تأكيد ذلك واستخدامه لمواجهة الحملة ضد المملكة”.
لكن لهجة الخطاب زادت في حِدتها -بين إيران والسعودية- إلى احتمال ظهور حرب إقليمية جديدة حسب ما تشير مخاوف العديد من المحللين الغربيين؛ ومع أنَّ ذلك مستبعد لكنه سيذهب نحو توسيع دائرة الحرب بالوكالة ليشمل دولاً ومناطق أخرى كما سيزيد من تعقيد الأزمة اليمنية. وفي الوقت الذي تذهب فيه روسيا باتجاه دور كبير في المنطقة العربية تتعارك إدارة البيت الأبيض مع وزارة الخارجية حول تناقضات سياستها في المنطقة المضطربة؛ ما يزيد تحالفات المملكة واليمن تعقيداً.
 
التأثير في الكونجرس والتعاطف السعودي
وثاني تلك التداعيات أنَّ الصاروخ الحوثي كان ذا تأثير واضح على تغيَّر قناعة الكونجرس الأمريكي الذي كان -قَبل إطلاق الصاروخ- يتجه للموافقة على قرار يوقف الدعم الأمريكي للتحالف العربي في اليمن؛ ويوم الاثنين أعلن تراجعه إلى قرار ليس ملزم يحفظ مراقبة العمليات العسكرية الجوية للتحالف العربي؛ وهاجم القرار إيران واتهمها بتسليح الحوثيين ما يهدد الأمن والسلم الإقليميين؛ وتحدث عديد أعضاء في المجلس عن الصاروخ البالستي (الإيراني) الذي أطلق على الرياض. قَبل يوم واحد من قرار الكونجرس الذي سمح ببقاء الدعم الأمريكي لعمليات التحالف كانت وكالة اسوشيتد برس الأمريكيَّة قد نشرت تقريراً يتحدث أنَّ صاروخ بركان H-2الحوثي هو نفسه صاروخ “قيام” الإيراني والذي التقطت الوكالة صورة له في 2012م. يحسب للكونجرس أنه ناقش ملفاً لم يكن ليناقشه من قبل.
وثالث التداعيات: التعاطف الشعبي السعودي، إذ أنَّ إطالة أمد الحرب يشير إلى حالة من التململ لدى شرائح واسعة من المجتمع، كما تشير تجارب الحروب الأخرى. وفي المملكة حدث ذلك لكن مع إطلاق الصاروخ البالستي واستهدافه منشأة كالمطار في الرياض أعاد التعاطف الشعبي بشأن مواجهة الحوثيين بشكل أكبر وحازم خوفاً من تلك التهديدات.
 
تداعيات داخلية
هذا من منظور التداعيات خارج اليمن، أمام انعكاساتها على الداخل فقد فرض التحالف تبعاً لهذا الصاروخ ما يمكن تسميته “بعقاب جماعي” يستهدف كل المجتمع اليمني، بإعلان التحالف في السادس من نوفمبر إغلاقاً كاملاً لمنافذ اليمن البرية والبحرية والجوية. وبعد مرور أسبوع اشترط التحالف تشديد الرقابة الأممية على الواردات إلى المحافظات اليمنية وفق آلية جديدة، أعلنت الأمم المتحدة الثلاثاء، رفضها لتلك الآلية.
وانعكست هذا القرار على حالة من الهلع وارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية في مناطق سيطرة الحوثيين إلى قرابة الضعف. وقالت الأمم المتحدة، الثلاثاء، إنَّ مخزونات البنزين تكفي ل10 أيام والديزل 20 يوماً في المحافظات الشمالية. كما انعكس على البضائع والأدوية داخل نفس المحافظات.
 
إعادة توجيه الحرب ونتائجها
وانعكس الصاروخ البالستي على الحرب المستمرة منذ ما قبل سبتمبر/أيلول2014 (اجتياح الحوثيين لصنعاء)، إذ أشار إلى فشل التحالف العربي، في تدمير مخزونات الصواريخ البالستية الحوثية، كما فَشل في مراقبة المنافذ اليمنية رغم تفتيشها وإجراءات المراقبة المستمرة. في كل الأحوال من الصعب تهريب صاروخ بالستي تحمله على الأقل شاحنة كبيرة بطول 16 متراً وبقطر 0.88 ويشير الاحتمال الأرجح أنَّ تهريبه تم كقطاع غيار أو تم تطويره فعلاً في اليمن بناءً على تكنلوجيا الأسلحة الإيرانيَّة- سبق أنَّ قدمت ذات التكنلوجيا لميلشيات أخرى موالية لها في المنطقة- وهذا الأمر يعني الكثير من التأثير الإيراني والتدريب والمختصين أيضاً في اليمن.
كما أنَّ هذا الصاروخ يشير بالفعل إلى علاقة متينة بين الحوثيين وإيران، إذ لم تكن العلاقة إلى هذه الدرجة من المتانة قَبل بدء الحرب. وباتت الجماعة المسلحة تعتمد بشكل كبير على طهران مع إطالة أمد الحرب؛ وقد يذهب هذا الأمر باتجاه منحاً آخر في رؤية المملكة باستمرار المعركة حتى الانتصار الكامل وهذا تكلفته باهظة للغاية ويحتاج إلى تمحور تحالفات جديدة داخل البلاد. طوال التاريخ الحديث لم يسبق أنَّ خاضت المملكة -دول الخليج بشكل عام- حرباً وانتهت بحلٍ سياسي، إلا بانتصار كامل. (غزو الكويت والحرب الإيرانيَّة-العراقية للتقريب).
ولأجل ذلك فإن من البعيد للغاية الحديث عن عملية سلام في اليمن، إذ أنَّ الحالة اليمنية خرجت -على الأقل بعد إطلاق الصاروخ- من أيدي أطراف يمنية إلى أزمة إقليمية؛ فروسيا التي تحاول تحقيق اختراق في جدار السلام في اليمن لتحسين سمعتها في المنطقة بعد الحالة السورية وتشير إلى تقاربها مع الرياض بهذا الخصوص في محاولة إقناع إيران ترك الحوثيين. إلى حالة التذبذب الأمريكيَّة واكتفاءها بمحاربة الإرهاب في اليمن خارج إطار الدولة اليمنية ومؤسسات الحكومة المعترف بها دولياً. كما أنَّ إيران تؤمن أنَّ وجودها في اليمن وحضورها إقليمياً يساهم في تعزيز قبضتها الإقليميَّة فبدلاً من حل الأزمة الإقليميَّة بالتشاور حول نفوذها في سوريا والعراق ولبنان (المجال الحيوي الحالي لإيران) يمكنها أنَّ تفاوض بدلاً من ذلك بشأن وجودها في اليمن -وإن كان محدوداً لكنه لا يعني أنها لا ترسل الأسلحة للحوثيين إذ أنه ليس بنفس الخسائر في دمشق وبغداد وبيروت- ويبدو أنَّ الرياض وموسكو وحتى أبوظبي تذهبان في هذا الاتجاه رغم خطورته.
 
 هل هناك تغيّر في الاستراتيجية السعودية؟!
سؤالٌ مهم للغاية إذ أنَّ التحالفات الداخلية في اليمن تبعث على الفشل فالصراعات جنوبي اليمن حول المشاريع المتداخلة هي ما تعطل الجهود؛ وتملك أبوظبي صاحبة النفوذ الأكبر في المحافظات الجنوبية والجنوبية الشرقية قناعة أنَّ شيئاً لن يتم من تواجدها إلا بقبول الرياض؛ وحتى إطلاق الصاروخ البالستي كانت الرياض صامتة رغم الحديث عن التوسع الإماراتي جنوباً -باعتبار أنَّ أبوظبي الشريك الثاني ضمن التحالف العربي- والانتهاكات التي تقوم بها قوات موالية لأبوظبي في المحافظات الجنوبية -بما في ذلك السجون السرية- وتلقت السعودية اللوم بدلاً من الإمارات في كل تلك الملفات، ما أدى إلى تشويه سمعة المملكة وجعلها تكافح في الشرق والغرب من أجل استعادتها. قد يتغير كل ذلك بدعم أكبر لحكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.
وكان للاجتماع الأخير مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وتشكيل هادي لجنة لتنفيذ نتائج الاجتماع. إلى جانب لقاء الأمير السعودي بقيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح للمرة الأولى منذ بدء عمليات التحالف في مارس/أذار 2015م، والحديث في وسائل الإعلام السعودية عن صفة الحزب السّياسية بعد أنَّ كانت لقاءات متفرقة بصفتهم شيوخ دين أو شيوخ عشائر داخل البلاد.
وهو ما يشير إلى تحّول يهدف إلى تأسيس واستعادة مؤسسات الدولة في المناطق المحررة، لصالح الحكومة الشرعية ودور أكبر للإصلاح في مرحلة المواجهة. وطمأنة الحزب صاحب القاعدة العريضة ألا حملات تستهدفه، كما دأبت القوات الموالية للإمارات خلال الشهور الماضية؛ يصب في ذات الاتجاه.
في هذا السياق لا يمكن توقع ردة الفعل الإماراتية ولا للقوات الموالية لها، التي تتحرك الآن بغطاء أمريكي تحت ذريعة مواجهة الإرهاب.
وتشير راغدة درغام (كاتبة ورئيس معهد بيروت) في مقال لها على هافنغتون بوست إلى أنَّ من بين التحديات الرئيسية التي تواجهها المملكة العربية السعودية الجديدة، هو كيفية إقامة علاقات مع شعوب الدول العربية التي أصبحت ساحة للحروب الإيرانية مع السعودية سواء اليمن أو لبنان، في الوقت الذي تفوز فيه إيران بسوريا والعراق.
تحتاج الاستراتيجية السعودية إلى تغير النمط الأعلى بالتحالف مع المؤسسات والهيئات إلى التأثير على الشعب اليمني نفسه إذ أنه كما تقول درغام (لا يزال أهم عنصر لكسب الحرب في بلادهم، وهو ما يتطلب لغة جديدة لتوصيف مستقبله، وأن تمتد إلى البنية التحتية البشرية باحترام وجرأة).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى