كتابات خاصة

بضاعة كاسدة في الواجهة

علي الفقيه

في زمن الحرب وازدهار الرداءة إذا كان عندك قدر من الفهلوة والبجاحة ممكن تسمي نفسك “محلل سياسي” أو حتى “خبير اقتصادي” وتلقى سوق، وستكون شاشات التهريج طريقك إلى منصب حكومي. في زمن الحرب وازدهار الرداءة إذا كان عندك قدر من الفهلوة والبجاحة ممكن تسمي نفسك “محلل سياسي” أو حتى “خبير اقتصادي” وتلقى سوق، وستكون شاشات التهريج طريقك إلى منصب حكومي..
يتبرم الوكيل، الذي تقول ملامحه إنه لم يصل الثلاثين، من تباطؤ الجيش في جبهة نهم ويكرر سخريته من أخبار المواجهات التي يخوضونها.
بالطبع لم يصله من الأزمة سوى منصب رفيع يتجاوز سنه وراتب بالدولار وامتيازات وحوافز لا تتوقف، إلا أنه رغم هذا كله يرى أن الجنود الذين يقضون أسابيع وشهور يتسلقون الجبال الشاهقة في البرد القارس ويواجهون الموت كل يوم لا يقدمون أداءاً مرضياً لشاب منحته الحرب وعائلته كل الامتيازات إلا أن ما ينقصه هو العودة إلى طيرمانته في قصره الأنيق في صنعاء.
هو مسؤول حكومي رفيع إلا أنه لا يعرف متى آخر مرة استلم الجنود مرتباتهم، ولا كم عدد الجرحى الذين ملأوا السكنات المخصصة لهم في مارب وضاقت بهم الصالة الرياضية وكثير منهم ينامون في عراء الحوش المجاور للصالة الرياضية.
آخر يسمي نفسه خبير اقتصادي وكان في وقت سابق يشغل منصب رفيع في أحد البنوك الحكومية، هو الآخر علق أمام اسمه لافتة “الخبير الاقتصادي” ومع ذلك يخوض في كل القضايا التي يخوض فيها المفسبكون حتى وهم يحرسون القات في البلاد إلا أنه لا يتكلم في الاقتصاد ولا يمكنك أن تخرج من صفحته بأي تفسير علمي لتردي الاقتصاد في كل نواحيه.
وهو القادم من طبقة مخملية لا تعرف الشظف ولا الكفاح فإن ما خرج به من دراسته في إحدى الجامعات البريطانية هو لقب حمله مباشرة إلى موقع مدير تنفيذي لأحد البنوك وما يكتبه على صفحته من ترهات لا يشير إلى أن في رأسه الكبير شيء، سوى التفرغ لمهاجمة كل من يعتقد أن لهم ظلع في الحيلولة دون حصوله على منصب رفيع يتناسب مع تاريخ العائلة.
أنتجت فترة الحرب عاهات كثيرة صارت عبئاً على الشرعية وعلى المعركة ولا تزال تلك الكائنات تتكاثر مثل الفطر.
وأنا أشاهد الخبير الاقتصادي يوزع الشتائم ويتمترس خلف الدفاع عن القومية اليمنية في الفيس بوك استدعت ذاكرتي الخبير المصرفي الشهيد نايف الجماعي، الذي غادر مقعده في إدارة أحد البنوك الأهلية واتجه للمعركة، حتى أن الوقت لم يسعفه ليكتب أمام اسمه الخبير الاقتصادي، وكانت صفة الشهيد هي الأسرع لتسبق اسمه وقد تعفر رداءه الكاكي بالدم عند ساعات الفجر، وهو يخوض معركة من أجل الوطن دون استعراض.
وكم من الأفذاذ من نوعية الشهيد نايف التهمتهم الحرب بينما كاثرت من المتبطلين ومحترفي الفهلوة وتزاحمت بهم الشاشات ولوبيهات فنادق الجيران ومكاتب مسؤولين مخولين بإصدار قرارات التعيين.
حين يستدعي الأمر المقارنة بين شباب يضحون بحياتهم في الميدان وآخرين متفرغين للسخرية منهم وتصنييفهم والدس عليهم بل يصل الأمر إلى رفع تقارير مخابراتية بغرض الاستعداد لجولة التصفيات القادمة، تشعر إلى أي مدى صارت التفاهة تفرض نفسها كواقع له تأثيراته في اتجاهات مختلفة، وتستغرب أن بضاعتهم رائجة.
يتحركون بخفة ولديهم قناعة راسخة أن الذين يقودون المواجهات في الميدان دفاعاً عن الشرعية هم فقط  آلة حرب وحين ينتهون من تسوية الملعب ويحين دور السياسة على هؤلاء أن يتنحوا جانباً لأنهم غير مرغرب فيهم.
يقضي عشرات الوزراء والوكلاء والمستشارين أيامهم ولياليهم يناضلون بكل قوتهم بين أسرَّة النوم وبارات وملاهي عواصم عربية يقيمون فيها، ويجهدون أذهانهم في تذكير بعضهم بموعد الراتب، ويراجعون كل يوم ما يرون أنها أخطاء وعيوب في أداء من تبقى من القادة في الميدان ليجعلوها مادة للحشوش في مواقع التواصل الاجتماعي.
ولأننا أمام كومة كبيرة من هذه البضاعة الفاسدة التي داهمتنا في زمن اللامعايير فإن حربنا تطول وأزماتنا تتضاعف.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى