كتابات خاصة

الذكاءات المتعددة

عبدالله القيسي

ابحث عن ما هو أقربها إليك وقل أنا هنا، وكن لبنة في مكانها قوية، خير لك من لبنة ضعيفة في غير مكانها، ولا تهتم بلمعان لبنة على أخرى فهكذا طبيعة البناء، منه ما يظهر في واجهة البيت يراه الناس جميعا ومنه ما يكون خلفه لا يرى!

حتى لا يتشتت الشباب في زحمة الكتب التي يجدونها وتتساقط عليهم العناوين من هنا وهناك كقطرات المطر ولا يدرون أيها يأخذون وأيها يتركون..
وحتى لا يمضي العمر ولا يكاد يعرف الشاب أين مكانه في جسم بلده وأمته، وأي لبنة هو في هذا البناء الكبير..
وحتى لا يكون الناس نسخة واحدة تزدحم على باب واحد وتدع أبوابا كثيرة..
وحتى لا يشعر الشاب باليأس لأنه ليس كفلان حقق كذا وكذا وهو لم يحقق..
وحتى لا يكون همه الجمع بلا فرز، وحفظ اللبن بلا إخراج لزبدته..
لكل هذا أقول لأولئك الشباب:
هناك نظرية تقول بأن الذكاءات متعددة وليست ذكاء واحدا، ثمانية أنواع من الذكاء كما عددها العالم الأمريكي “هاورد جاردنر” وقد تكون أكثر، وهي تقسيمات منطقية وقرائن الواقع تؤيدها، فلا تجعلوا الفيس بوك وكتابه وكتاباته تفرض عليكم نوعا واحدا من الذكاء، وإن خسرتم من إعجابات العالم الافتراضي فستجدون إعجاب العالم الواقعي وبصماته الخالدة..
ليتأمل الفرد ذاته ويبحث عن أي نوع يرى نفسه فيه، لينطلق فيه وينوع قراءته وهو سائر على الطريق ذاته..
١-من كان لديه قدرة على استعمال اللغة والكلمات والمعاني والقدرة على نقل المعاني بتعابير جيدة فهو أقرب “للذكاء اللغوي”.. وسيعمل يوما مؤلفا أو شاعرا أو أديبا أو محاميا أو مترجما أو صحفيا.
٢-ومن كان لديه قدرة على استخدام الأرقام والمنطق وتسلسله والعلاقة بين المعلومات والتجارب الحسابية والرقمية فهو أقرب “للذكاء المنطقي”.. وسيعمل يوما مبرمجا أو مهندسا أو محاسبا أو مدرسا للرياضيات.
٣-ومن كان لديه قدرة على فهم الآخرين وربط علاقات جيدة مع من حوله، والقدرة على تجميعهم وتنظيمهم فهو أقرب “للذكاء الاجتماعي”.. وسيعمل يوما في السياسة أو رجل أعمال أو قائدا لأي مجموعة.
٤-ومن كان لديه القدرة على الغوص في الذات وفهمها وفهم أسرار الحياة من حوله، وتحليل المفاهيم وتركيب الأفكار، وتشكيل ذلك في خيط واحد فهو أقرب “للذكاء الذاتي”.. وسيكون يوما فيلسوفا أو مفكرا أو منظرا لفكرة ما، أو باحثا، أو مستشارا.
٥-ومن كان لديه قدرة على أداء وتقدير الموسيقى وتمييز الأصوات وإيقاعاتها فهو أقرب “للذكاء الموسيقي”.. وسيعمل يوما عازفا أو ملحنا أو مغنيا أو مدرس موسيقى.
٦-ومن كان لديه تركيزا على حركة جسده وتحكما جيدا بها، وقدرة على التوازن بين حواسه وحركته فهو أقرب “للذكاء الحركي”.. وسيكون يوما فنيا أو رياضيا في أي نوع من أنواع الرياضة أو ممثلا..
٧-ومن كان لديه القدرة على فهم واستيعاب الأشياء المرئية ويحاول أن يرسم بخياله صورا أخرى أجمل وصورا أخرى غير موجودة فهو أقرب “للذكاء البصري”.. وسيعمل في مجال البناء المعماري والهندسي ومجال الاختراع وتطوير الصناعات.
٨-ومن لديه الاهتمام بالطبيعة من حدائق وأنهار وجبال وغابات وحيوانات ونباتات وظواهر طبيعية للكون والأرض فهو أقرب “للذكاء الطبيعي”.. وسيعمل يوما في مجال الجيولوجيا أو الفلك أو الفضاء وفي مناطق الاهتمام بالحيوان والنبات.
لا يوجد بين تلك الأنواع أسوار فاصلة، فربما تداخل عندك قليلا من ذلك كله وبرز واحد أو اثنان أو ثلاثة وقد تكون كلها مجموعة في شخص واحد وتلك حالات نادرة جدا..
فابحث عن ما هو أقربها إليك وقل أنا هنا، وكن لبنة في مكانها قوية، خير لك من لبنة ضعيفة في غير مكانها، ولا تهتم بلمعان لبنة على أخرى فهكذا طبيعة البناء، منه ما يظهر في واجهة البيت يراه الناس جميعا ومنه ما يكون خلفه لا يرى، ولكن لولاه لما رأى الناس تلك اللبنة التي في الأمام، وهناك لبنة في الأساس يراها القريب، ولبنة في الأعلى يراها البعيد..
فكن لبنة قوية حيثما يسر لك وابتسم وثق بنفسك ولا تهتز، ولا تجعل رياح من حولك تغير مكانك، هكذا ستكون يوما من أولئك الذين قال عنهم الشاعر:
وكن رجلا إن أتوا بعده   
يقولون مر وهذا الأثر
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى