هموم المغتربين اليمنيين.. (مقال تحليلي)
يقترح الكاتب تجميد عمل الإغاثة والمساعدات الإنسانية السعودية، مقابل استثناء العمالة اليمنية من قرارات وزارة العمل الأخيرة. يمن مونيتور/ من ليث الشرعبي
إذا جمدت السعودية عمل مركز الملك سلمان للإغاثة والمساعدات الإنسانية، مقابل استثناء العمالة اليمنية من قرارات وزارة العمل الأخيرة، ستكون المملكة قد قدمت أكبر خدمة لليمن واليمنيين في هذا الظرف الحساس، وللسعودية ألف مبرر لاتخاذ مثل هذه القرار.
تنفق السعودية مبالغ هائلة على العمل الإنساني في اليمن، فالتكلفة الإجمالية للمساعدات التي قدمتها المملكة خلال عامين ونصف العام مضت وصلت نحو (8.27) مليارات دولارا، بحسب إعلان المستشار بالديوان الملكي المشرف العام على مركز الملك سلمان د. عبدالله الربيعة، خلال افتتاحه قبل أيام في الرياض اللقاء الإنساني لتعزيز الاستجابة الإنسانية في اليمن.
وإذا كان هذا هو حجم المساعدات السعودية فقط، فإن جمع قيمة المساعدات الأخرى التي تقدمها منظمات الأمم المتحدة والكويت وتركيا والإمارات وغيرها من الدول، فإن المبلغ الإجمالي لن يقل عن 15 مليار دولار، وإذا قسمنا هذا المبلغ على عدد أفراد الشعب اليمني البالغ عددهم قرابة 25 مليون، فإن نصيب كل مواطن يمني من هذه المساعدات هو 600 دولار لكل مواطن، أي لكل يمني 240 ألف ريال!
وللتوضيح أكثر، فالأسرة المكونة من خمسة أفراد يفترض أنها قد تحصلت للآن على مساعدات بقيمة ثلاثة آلاف دولار، أي مليون ومائتين ألف ريال يمني في حال اعتمدنا سعر صرف الدولار بأربعمائة ريال يمني رغم أن سعره اليوم في السوق أكثر، وأكاد أجزم أنه لا يوجد أسرة يمنية واحدة تسلمت مساعدات ولو بعشر هذا المبلغ فضلا أن معظم الأسر اليمنية لم تتسلم أي مساعدات خارجية حتى اللحظة!
لا أثر على الواقع اليمني لهذه المساعدات الخارجية الضخمة، والأسباب كثيرة وأبرزها اعتراض مليشيا الحوثي لكثير من المساعدات وقوافل الإغاثة ونهبها وبيعها في السوق السواء، وأيضا “حمران العيون” في الحكومة الشرعية لا ينسون نصيبهم، والسلطات المحلية التي يسيطر عليها حزب صالح لا تقصر، ناهيك أن جزءا من الإعتمادات المخصصة تذهب نفقات تشغيلية، والمحصلة النهائية هي وصول فتات الفتات لبعض المواطنين، وحجم اليمنيين المستفيدين من هذا الفتات لا يكاد يذكر، إذ أن الكثير من مناطق اليمن لم يصلها شيء من المساعدات الأجنبية حتى اليوم!
فساد العمل الإغاثي في اليمن لا حدود له، وفضيحة اختفاء أكثر من 600 ألف سلة غذائية في محافظة تعز ليست عنا ببعيد، ولا شك أن السعودية باتت تدرك ذلك، ويكفي قراءة حديث نائب رئيس الاستخبارات العامة السعودي أحمد عسيري هذا الأسبوع حيث أكد على أهمية عقد ورش عمل على مستوى المختصين والتنفيذيين لوضع الخطط التفصيلية الكفيلة بتحسين أداء العمل الإغاثي والإنساني في اليمن، و”معالجة أوجه القصور من جميع النواحي، سواء الأشخاص العاملون في الداخل اليمني أو الآليات والإجراءات المتبعة لإيصال المساعدات إلى جميع المحافظات اليمنية ومتابعة أوجه صرف الأموال التي تقدمها الدول والهيئات الدولية المانحة”.
المغتربون اليمنيون في دول الخليج بشكل عام وفي السعودية بشكل خاص، لعبوا ولا زالوا دورا مهما في تخفيف المعاناة الإنسانية في اليمن منذ بدء الحرب في مارس 2015م. ومعظم الأسر اليمنية اليوم معتمدة على تحويلات المغتربين في السعودية بالذات نظرا لكثرة عددهم،
حيث تشير تقديرات إلى أن عددهم قد يصل إلى 3 ملايين مغترب، ولو أن كل مغترب يمني يكفل خمسة أشخاص كمتوسط فهذا يعني أن المغتربين اليمنيين في السعودية يسدون رمق قرابة 15 مليون مواطن يمني في الداخل، أي أكثر من نصف الشعب اليمني.
لا يقارن إطلاقا دور المغتربين بدور منظمات الإغاثة، فلولا الله ثم تحويلات المغتربين اليمنيين لكنا رأينا أسرا يمنية تموت على أرصفة الشوارع من الجوع بعد أن نهبت مليشيا الحوثي كل إيرادات الدولة اليمنية، ووصلت حد نهب رواتب الموظفين الحكوميين وهم شريحة كبيرة في المجتمع اليمني.
وأي عبء سيطال المغتربين اليمنيين في السعودية من رسوم وقوانين جديدة سينعكس مباشرة على الوضع في الداخل اليمني، ونتوقع تدهورا مريعا في الجانب الإنساني في اليمن إذا بدأت السعودية بتطبيق قوانين العمل الجديدة على العمالة الوافدة ولم تستثن العمالة اليمنية كظرف خاص بحكم الجوار، ومراعاة للوضع المأساوي الذي تعيشيه بلادهم بسبب انقلاب الحوثي وصالح على الشرعية.
صار المغترب اليمني ضحية في الداخل والخارج للأسف الشديد، ففي الخارج واقع تحت وطأة رسوم لا ترحم بما في ذلك الرسوم الخاصة بخدمات السفارة اليمنية، فمثلا قطع جواز جديد في سفارتنا بالرياض يكلف اليمني 400 ريال سعودي، وفي نفس الوقت عاجز عن العودة إلى بلده للعمل بسبب الحوثي الذي أكل الأخضر واليابس، وعند زيارة المغترب بلده يقع تحت وطأة الابتزاز الوقح، إذ يدفع مبالغ مالية من المنفذ وحتى وصوله إلى أسرته، في الذهاب والإياب.
وبحسب شهادة مغترب، يدفع عشرين ريالا سعوديا في منفذ الوديعة، و500 ريال يمني لكل نقطة تفتيش حوثية والممتدة على كل طرق المحافظات الغير محررة، وأثناء العودة يدفع ألفين ريال يمني لنقطة حوثية على طريق محافظة البيضاء، وعشرة ريال سعودي في منفذ الوديعة، وهكذا جبايات غير قانونية تذهب إلى جيوب المشرفين الحوثيين في الطرقات، وحيتان الشرعية في منفذ الوديعة.
والمؤلم فعلا هو أن قيادة الشرعية في الرياض لا تعير أي اهتمام لقضية العمالة اليمنية ولم تدرك بعد خطورة الوضع، وكل ما يهم المسئولين اليمنيين هو الحصول على الهبات والمكرمات في لقاءاتهم الخاصة والعامة مع المسئولين الخليجيين، وإلا يفترض أن الرئيس هادي قد استشعر مبكرا حجم الكارثة المنتظرة، وقام بدوره خصوصا وأنه يقيم في الرياض وشبه عاطل عن العمل.
لماذا لا يبذل عبدربه قليلا من وقته وجهده لشؤون المغتربين اليمنيين، وما دور حكومة بن دغر إذا لم تطرح موضوع العمالة على الجيران، أم أن دورها اقتصر على توظيف الأبناء والأقارب واعتماد رواتب المسئولين بالعملة الصعبة، ولماذا تناسى وزير المغتربين مهامه واعتكف في القاهرة وكأن الأمر لا يعنيه، وكأنه لا يتقاضى بحدود 30 ألف ريال سعودي كمرتب شهري، ومثله مكافأة باعتباره أحد مشرفي لجنة الجوازات ناهيك عن بدلات السفر جراء الزيارات الشكلية؟
لقد تكالبت الظروف على المغتربين اليمنيين من كل جانب، وحتى قيادات الانقلاب في اليمن لا تتطرق في خطاباتها لموضوع العمالة اليمنية في دول الخليج، ولو من باب المزايدة السياسية لإحراج دول الخليج على مراعاة ظروف العمالة اليمنية، ولم يعد أمامنا إلا الله ثم المراهنة على ضمير القيادة السعودية في مملكة الإنسانية التي لن تسمح بوقوع عسرين في آن واحد على اليمنيين، وهما جماعة الحوثي وقوانين العمل.
*المقال التحليلي خاص بـ”يمن مونيتور”، وهو يمثّل رأي الكاتب، وليس سياسة الموقع.