مع استمرار الحرب.. طلاب يمنيون يفارقون مدارسهم في سبيل توفير الغذاء
الحرب أجبرت آلاف الطلاب على ترك مدارسهم والتوجه نحو العمل لتوفير لقمة العيش.
يمن مونيتور/ خاص/ من متولي محمود
انتشرت في اليمن مؤخرا ظاهرة عمالة الأطفال بشكل لافت للنظر، بعد أن أجبرتهم ظروف الحرب للتسرب من مقاعد الدراسة، والبحث عن أعمال لسد الرمق.
وقالت منظمة اليونيسيف، في تقرير لها، إن الحرب الدائرة في اليمن تهدد بحرمان قرابة 4 ملايين ونصف من الطلاب من التعليم.
ففي بداية العام الدراسي، بدت المدارس الحكومية فارغة، فالأطفال يبحثون عن لقمة العيش التي سلبتهم إياها الحرب، والمعلمون بلا رواتب منذ عام كامل للسبب ذاته.
وقالت تقارير حقوقية إن انصراف الأطفال عن الدراسة وطرقهم باب العمل في وقت مبكر جعلهم عرضة للاستغلال والتجنيد في جبهات القتال، خصوصا مع شحة فرص العمل.
وكان وزير الشباب والرياضة في حكومة (الحوثي/صالح) عبر منشور في فيسبوك، طالب المعلمين والطلاب على السواء بالالتحاق بالجبهات والقتال في صفوف مليشياتهم ضد ما أسماه “العدوان”.
فيما أثار هذا التصريح ضجة إعلامية، تناولت صحف أجنبية كبيرة الخبر الذي نال الاستهجان، وأبرز هذه الصحف “الجارديان” البريطانية، و”لوفيجارو” الفرنسية.
ثلاث سنوات من الحرب، يقول ناشطون، لم يلمس الطلاب أي دور للمنظمات المهتمة بحقوق الطفل، وهي التي تقبض مبالغ طائلة تحت هذه المسميات، فضلا عن كون هؤلاء الطلاب زج بهم إلى جبهات القتال، وليس إلى سوق العمل.
ويضطر الأطفال في اليمن للقيام بأعمال شاقة وبسن مبكر وترك مقاعد الدراسة، لإعالة أسرهم التي فقدت مرتباتها ومصادر دخلها جراء الحرب الدائرة في البلاد.
ويتساءل حقوقيون إذا كان الأطفال عادة يتعرضون لبرامج تأهيل جراء الحروب، فمالذي يمكن تقديمه للأطفال اليمنيين وهم من تركوا المدارس وتحملوا مشقة أعمال لا تمت لأعمارهم بصلة، فيما لا تريد الحرب أن تحط أوزارها بعد؟!
مكانك مقعد الدراسة
“مكانك المدرسة معززة مكرمة يا أصغر ربة أسرة تعول أسرتها. مكانك مقعد صغير يحمل جسمك الطري يابنة بلقيس. مكانك ليس عند هذه العجلات التي تجوب الشوارع بلا قلب”. يقول د. محمد جميح معلقاً على صورة طفلة تعمل في غسل السيارات.
وأضاف “جميح” في صفحته على فيسبوك: مكانك غير هذا المكان، لو لم نكن في هذا العصر القاتم. لقد أخرجت الحرب جزءاً من أطفال مدارسنا ليموتوا في جبهاتها، والجزء الآخر ليعملوا في تنظيف السيارات.
وتابع القول: إن هذه الطفلة لو عاشت في مكان آخر لوجدت مقعداً دراسياً وبدلة أنيقة وحياة كريمة.
أوضاع صعبة وغياب للمنظمات
“يعود سبب تخلي الأطفال في بلادنا عن مواصلة التعليم في وقت مبكر إلى الأوضاع المعيشية الصعبة التي تعيشها معظم الأسر اليمنية، خاصة في الريف”.
وقال “وضاح محمد” ناشط حقوقي: ترسل الأسر أطفالها للعمل وتوفير مصروفات المعيشة، على حساب مستقبلهم التعليمي، إذ لا أفق للتعليم، بحسب تلك الأسر، طالما لا وظائف والخريجون يملأون الأرصفة.
وأضاف “وضاح” لـ”يمن مونيتور”، تعتبر عمالة الأطفال في بلادنا أحد المشاكل الاجتماعية التي تعيق نهوض اليمن، إذ أن نسبة الأطفال الذين يتركون تعليمهم مرتفعة مقارنة بالأطفال الملتحقين بالمدارس.
وتابع، بالتأكيد لعمالة الأطفال آثار سلبية على الأطفال أنفسهم وعلى أسرهم ومن ثم على المجتمع، وذلك من خلال استغلال حاجتهم للعمل وأوضاعهم المعيشة، وحاليا يتم إلحاقهم بمعسكرات الحرب والزج بهم إلى جبهات القتال.
وأردف بالقول: دور المنظمات الحقوقية يقتصر على فئة قليلة جداً، هذا إن كان لها دور فعلياً، رغم أني أستبعد أي دور يستحق الذكر تقوم به هذه المنظمات.
ولفت “وضاح” إلى أن الشوارع تمتلئ بالأطفال الباحثين عن فرص عمل أو المتواجدين في أماكن الأعمال الشاقة مثل الحدادة والميكانيك والبناء والورشات وغيرها، ومع ذلك لم تلتف لهم أي من المنظمات المهتمة بحقوق الطفل، والتي تتقاضى مبالغ طائلة باسمهم.
حلول بعيداً عن السياسة
الصحفي في الإعلام التربوي “أحمد البحيري” يرى أن التعليم بوضعه الراهن لا يتوافق مع أبسط المعايير الدنيا للتعليم في حالة الطوارئ، وهو ما يعني أن تداعيات الحرب وآثاره على التعليم في تزايد مطرد؛ التحدي الحقيقي والملح اليوم هو في تصحيح نظرة الحكومة إلى التعليم وآليات التعاطي معه.
وأضاف “البحيري” لـ”يمن مونيتور”، أن إخضاع ملف التعليم كليا إلى الاعتبارات السياسية والعسكرية الآنية ليس سوى عملية اغتيال لمستقبل جيل، وترحيل لمزيد من الحروب والصراعات، وفوق ذلك كله اعتساف للتجارب والمعايير الدولية الحاكمة لهذه الأوضاع.
وتابع القول: نحن هنا لا ندعوا إلى المثالية والقفز على الواقع، إنما نؤكد على ضرورة وضع الإمكانات المتاحة في سياق رؤية استراتيجية وفق أولويات واضحة، ومن أجل إنجاز ذلك لا بد من توجه حكومي ومجتمعي مزدوج يجمع بين العمل على ضمان استمرار التعليم وتحسين فرص الوصول إليه، بعيدا عن الحسابات الضيقة، وإعادة بنائه وفق رؤية واضحة.