هي لا تشبه فتاة يقلقها كسر أحد أظافرها.. فنصف جسدها تطاير بعدما مزقته مخالب لغم.
جزء من جسدها دفن في باطن الأرض؛
والمتبقي مغروس على فراشها لا يتحرك؛ كشجرة محروقة لن تطرح سوى الدموع.
هي لا تشبه فتاة يقلقها كسر أحد أظافرها.. فنصف جسدها تطاير بعدما مزقته مخالب لغم.
التشوه الذي مزق روحها أكثر بكثير من ذلك الذي تطاير له جسدها الفتيّ.
حين تتحدث تتساقط الكلمات القاتمة من ملامح وجهها بدلاً من الدموع؛
فلم تعد تجد فائدة من البكاء على شيء لن يتغير لكابوس افاقت لتعيشه بعد إغماءة طويلة..
نعم، ستحكي بضحكة ميتة قصة زفافها الذي كان وشيكا ثم زفت بدلاً عنه لحجرة الانعاش..
ستتحدث عن الواقعة كأنها لفتاة ماتت منذ سنوات لم تعد تربطهما معرفة أو جسد مكتمل.
تماماً كما لم يعد يربط نصفي جسدها شيء لم يعد يربطها بأحلام الفتيات شيء..
ذلك اللغم الأرضي أخذ نصفها.. وما تبقى من حياتها وأحلامها.
هي قصة من مئات القصص لجرحى وضحايا الانقلاب وكل قصة من تلك القصص جديرة أن تكون أيقونة لوجع وطن بلغ المنتهى..
ملف الجرحى ومعاناتهم لن يغلق إلا بالتئام تلك الجروح النازفة؛ والتي يعمل فيها الاهمال تفتيقاً وفتحاً.
مئات الجرحى الذين لم تقتلهم الصواريخ وضربات الكاتيوشا والألغام المغروسة في الأرض كفكٍ يفترس الأجساد السائرة، هؤلاء يقتلهم اهمال المسؤولين في دولة منحوا أرواحهم من أجل استعادتها.
ورغم المناشدات المؤلمة للجرحى ومناشدات الكثير من الأوفياء لإنسانيتهم الموجهة للدولة يظل الملف الأقل اهتماما ومراعاة وكأن الجريح في نظر المسؤولين صار في عداد الموتى.
صارت الآن المناشدات توجه لذوي القلوب الرحيمة من الميسورين خارج الوطن من أبنائه المغتربين لإنقاذ إخوانهم من معاناة الألم والإعاقة والتشوهات مدى الحياة.
نعم، نناشد الميسورين أن يقدموا بين أيديهم عملاً يرفع مقامهم في السماء قبل الأرض، وأن يكون هناك عمل خيري يجتمع عليه الكثير لخلق مشفى يضم أجساد الجرحى المبعثرة في كل دولة عجزت أن تقوم بحق الإنسانية وحطت من كرامة اليمني جريحا ومحتاجا..
نحتاج لمشفى على أرض وطننا فلا تتشرد أجسادنا حية وميتة في دول الجوار؛ نحتاج لبعثات طبية متمكنة يٌؤتى بها من أجل الضحية لا من أجل الجلاد.. من أجل أبناء الوطن لا من أجل سيد الخراب..
لو انتعشت النوايا ورقت القلوب الرحيمة، فلن تتعفن الجراح وهي تنتظر الدواء أو الجراحة!
عالجوا أرواحكم بفعل الخير فحتى قسوة القلب داء يفتك بالمرء ويدركه موت الضمير.
ليس لأبناء هذا الوطن سوى تكاتفهم وتلاحمهم ووقوفهم مع بعضهم حتى يجلو الله غمة الانقلاب ويهبنا حكومة ودولة مدنية ترعى شئوننا..
وعلينا ألا ننسى أن هذا الجريح، هو جرح الوطن ومن الجراح يلتهم الجسد كله ويفنى..
لا قدر الله..
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.